في خضم استمرار الصراع المدمر في السودان على مدار عامين، يتطلع السودانيون إلى نتائج مؤتمر دولي مهم يُعقد في لندن يوم الثلاثاء، بدعوة من بريطانيا وفرنسا وألمانيا. يجمع المؤتمر وزراء خارجية 20 دولة لمناقشة سبل إنهاء النزاع ومساعدة ملايين المشردين داخل وخارج السودان، وذلك في وقت وصف فيه الاتحاد الأوروبي الوضع بأنه “الكارثة الكبرى في القرن الحادي والعشرين”.
استثناء أطراف النزاع
رغم استثناء السلطات البريطانية للأطراف المتنازعة من المشاركة، يزور وفد من تحالف “صمود”، الذي يقوده رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الله حمدوك، العاصمة البريطانية بهدف لقاء المشاركين في المؤتمر وتقديم مقترحات تسهم في دفع جهود السلام والاستقرار في البلاد. وستكون زيارة الوفد فرصة للضغط الدولي على الأطراف المتنازعة لوقف الأعمال القتالية وتقديم الدعم لمواجهة الأوضاع الإنسانية المتدهورة.
في حديثه لصحيفة “الشرق الأوسط”، سلط القيادي في تحالف “صمود”، خالد عمر يوسف، الضوء على أهداف الزيارة واستراتيجيات العمل المطروحة، بالإضافة إلى آخر تطورات الوضع في السودان. وأكد أن هناك تواصلاً مستمراً بين التحالف وكبار قادة النزاع، مثل قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فضلاً عن التواصل مع إدارة الرئيس دونالد ترمب في محاولات لإنهاء الحرب.
جهود الإغاثة الدولية
يوسف أوضح أن مؤتمر لندن يمثل خطوة إيجابية في توحيد الجهود الدولية في ظل الاهتمام العالمي المتقلص بالأزمة، رغم حجم الكارثة. وأشار إلى حاجة الأمم المتحدة إلى 6 مليارات دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية في عام 2025، حيث تم جمع 4% فقط من هذا المبلغ حتى مارس الماضي. وأضاف أن الهدف من الزيارة هو التواصل مع الجالية السودانية في بريطانيا لتوحيد مطالبهم وكذا مع الوفود المشاركة في المؤتمر، لعرض حلول ملموسة للأزمة.
كشف يوسف عن أبرز المحاور المقترحة خلال المؤتمر، أبرزها عقد اجتماع مشترك بين مجلس الأمن الدولي ومجلس السلم الأفريقي لحماية المدنيين وضمان وصول الإغاثة. كما تم اقتراح عقد مؤتمر آخر للمانحين لمعالجة الفجوة التمويلية، بالإضافة إلى إطلاق حوار سياسي برعاية أفريقية من الاتحاد الأفريقي ومنظمة “إيغاد”، مع التأكيد على ضرورة الضغط على أطراف النزاع لوقف إطلاق النار.
فرصة مؤاتية للسلام
وصف يوسف المؤتمر بأنه “مبادرة جيدة للغاية في وقت حاسم”. وأشار إلى أن القضايا الإنسانية الناتجة عن الصراع ستكون على رأس أولويات نقاشات الوفد في المؤتمر. وشدد على أهمية هذا اللقاء في إتاحة الفرصة لمساهمة المجتمع الدولي في معالجة الأزمات الأساسية وإحلال السلام في السودان.
وقال: “لقد أثرت الحرب على كافة ولايات البلاد، مما أدى إلى انعدام الأمان حتى في المناطق التي لا تشهد نزاعات مباشرة. الحل الوحيد يكمن في اتفاق ملزم للطرفين لوقف إطلاق النار”. دعى يوسف المجتمع الدولي، وخاصة لندن، إلى اتخاذ خطوات جادة للضغط على الأطراف المعنية لوقف القتال.
تحديات الاهتمام الدولي
بخصوص ضعف الاهتمام الدولي بالقضية السودانية مقارنة بأزمات أخرى مثل غزة وأوكرانيا، أشار يوسف إلى أن الحل يجب أن يبدأ على أرض السودان، مشيراً إلى أن الانقسام الدولي يزيد من تعقيد الأزمة. واستمر في التأكيد على ضرورة التوصل إلى حلول بالتعاون مع المجتمع الدولي وبدون عوائق، محذراً من أن الحرب قد تتسبب في تهديد الأمن الإقليمي والدولي.
وتابع يوسف بالقول: “استمرار النزاع لم يعد مهدداً للسودان فقط، بل بدأ يؤثر سلبًا على أمن الدول المجاورة، مما يحتم على الأسرة الدولية أن تسهم في إنهاء الصراع”.
تحذيرات من انتشار الإرهاب
وحذر يوسف من تزايد الأنشطة الإرهابية داخل السودان وتأثيرها على الأمن الإقليمي. ولفت إلى أن الحرب تخلق بيئة خصبة لانتشار الصراعات، مما يهدد السلم والأمن في المنطقة. وشدد على ضرورة بذل الجهود الدولية لوقف الحرب قبل أن تتسع دائرة العنف.
دور الولايات المتحدة
فيما يتعلق بالعلاقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، أكد يوسف أن هناك اتصالات جارية مع إدارة الرئيس دونالد ترمب، معربًا عن أمله بأن تبادر الإدارة بتحسين الرؤية الخاصة بمساعدة السودان على إنهاء الحرب.
كما أبدى يوسف تفاؤله بقدرة إدارة ترمب على تعزيز جهود السلام، مشيراً إلى أن الأمل لا يزال موجوداً في إمكانية تحقيق تسويات سلمية وعودة الأوضاع إلى نصابها.
التأكيد على الحلول السلمية
ختامًا، أكد يوسف أن الانقسامات العميقة الناتجة عن الحرب تمثل أكبر تهديد لوحدة البلاد، محذراً من أن استمرار الصراع قد يؤدي إلى تقسيم السودان. وشدد على أن الحوار بمشاركة جميع الأطراف هو الطريق الوحيد للحفاظ على وحدة البلاد.
أوضح يوسف أن القوى المناهضة للحرب تواجه ضغوطاً نتيجة الحملات المعادية لها. لكن، أضاف، إن التأثير الذي يمثله تحالف “صمود” لا يمكن تجاهله، ومؤكداً على ضرورة اعتماد القوى المدنية على الوسائل السلمية لتحقيق الأهداف الوطنية.