تعيش منطقة الشرق الأوسط مرحلة تحول جذرية بعد الأحداث التي شهدتها في أكتوبر 2023. إذ تبدّلت موازين القوى نتيجة الصراعات المتعددة، حيث سقطت أنظمه وتنظيمات مثل نظام الأسد و”حزب الله”، ما أدى إلى انهيار ما يُعَرف بـ “محور المقاومة”. هذا التغيير أظهر فراغات استراتيجية تُعيد تشكيل التوازنات في المنطقة.
خسائر استراتيجية
تعاني القوى الإقليمية من انعكاسات الصراعات المتزايدة، حيث توجه إسرائيل ضربات موجعة لقطاع غزة، مما يُمثل حالة يُمكن وصفها بـ”الاحتلال التغييري”. الأوضاع الحالية تؤكد غياب حركة “حماس” في المنطقة، وهو احتلال يفتقر إلى قاعدة قانونية ولكنه يتطلب وقتًا طويلًا لتحقيق أهدافه، ما قد يولد ثقافة جديدة تطبع المنطقة لعقود.
كما أن التصعيد الإسرائيلي في لبنان يتجه نحو إنشاء منطقة عازلة من خلال السيطرة العسكرية، وهو النهج الذي يختلف جذريًا عن الطريقة التي تُدار بها الأوضاع في غزة. تلك الفوضى الناتجة نتيجة الاحتلال تُمثل تحديًا أمام تحقيق الاستقرار.
تحولات على الجبهة السورية
بعد سقوط النظام السوري، اقتنصت إسرائيل الفرصة لإعادة رسم حدود نفوذها، مستغلة الفوضى لتوسيع وجودها في الأراضي السورية بشكل يعتبر احتلالاً مؤقتًا ولكن طويل الأمد. ورغم تأكيد إسرائيل على عدم إعادة الجولان إلى سوريا، إلا أن الوضع يستدعي جهودًا جادة سواء من خلال مفاوضات أو صراعات مستقبلية.
هذا التحول في الجغرافيا السياسية يشير إلى انتهاء مقولة هنري كيسنجر حول ضرورة وجود مصر أو سوريا في أي صراع أو سلام في المنطقة.
الحرب في أوكرانيا
على الجبهة الأوكرانية، يستمر الرئيس الروسي في استخدام التكنولوجيا الغربية لصياغة استراتيجياته العسكرية، بما في ذلك الصواريخ الحديثة. هذا يترافق مع استخدام أدوات عسكرية من دول أخرى مثل إيران وكوريا الشمالية في سعيه لإعادة السيطرة على الأراضي الأوكرانية.
الصين، من جانبها، تواصل سعيها لاستعادة جزيرة تايوان بحجة أنها جزء من تاريخها، ما يؤدي لخلق تحالفات جديدة بين الدول لمواجهة السياسات الصينية التوسعية.
الخطط الأميركية
الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب يظهر من خلال تصريحاته عن استعادة السيطرة على قناة بنما، عزمًا على إعادة تشكيل العلاقات الدولية. يعتبر ترامب هذه القناة استراتيجية حيوية تربط بين الشرق والغرب الأميركيين، ويشير إلى أهمية وجود هذه السيطرة في سياق الأمن القومي الأميركي.
تصريحات ترامب، التي قد تبدو للبعض مثيرة للجدل، تعكس أيضًا رؤية جيوسياسية معقدة ترتبط بعلاقات أمريكا مع القوى العالمية، خاصة الصين. طرح فكرة شراء غرينلاند يُظهر التوجه الواضح نحو استعادة النفوذ الأمريكي وتحرير الأراضي الاستراتيجية.
توازنات جديدة
مع تصاعد دور الصين وتأثيراتها المتزايدة، يبدو أن العالم مقبل على تغيرات كبيرة في توزيع القوى الجيوسياسية. إذ تمتلك الصين مؤشرات قوية في الجانب الاقتصادي والعسكري، الأمر الذي يُعبِّر عن انهيار النظام القديم الذي قام خلال فترة الحرب الباردة.
غرينلاند، التي تُعتبر من الأراضي الغنية، هي موطن لقاعدة جوية أمريكية، ما يزيد من الصراعات حول السيطرة عليها. إن الضغوط الجيوسياسية المحيطة بوضع القارة الأميركية قد تفضي إلى تحولات كبيرة في الاستراتيجيات الدفاعية الأمريكية.
التحديات المستقبلية
إذا استطاع ترامب استعادة السيطرة على قناة بنما وغرينلاند، ستتشكل بؤرة جيوسياسية جديدة حول الولايات المتحدة، وقد تُعيد تعريف أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. هذا الأمر يطرح تساؤلات مهمة حول طبيعة السياسة التي سينتهجها ترامب في حال وصوله إلى البيت الأبيض مرة أخرى، وهل سيقوم بالتحول إلى العزلة أم الانخراط الفاعل في قضايا العالم المعاصر؟