يواجه النظام العالمي تحديات كبرى نتيجة اختلال التوازنات الدولية، حيث تنشأ ديناميكية جديدة عندما تدخل قوى مؤثرة تسعى لتغيير نظام قائم وعتيق. ينتج عن ذلك فريقان متضادان؛ الأول يمثل المنظومة القديمة التي تسعى للحفاظ على مصالحها، والثاني هو القوى الصاعدة التي تسعى لتحقيق طموحات جديدة. في خضم هذه التحولات، تجد الدول نفسها مجبرة على إعادة تقييم أدوارها المستقبلية، مع التركيز على تعزيز أمنها القومي واستراتيجياتها للتأقلم مع المستجدات.
في وقت مضى، كانت التغيرات الكبرى تحتاج إلى حروب عالمية لتتضح معالم النظام الجديد. لكن السؤال المطروح اليوم: كيف يمكننا فهم هذه التحولات الجارية؟ هل نحن فعلاً في طريقنا نحو صدام كبير، أم أن الأسلحة النووية ستظل عائقاً أمام الصراع المباشر، مما يدفع القوى الكبرى للانخراط في حروب بالوكالة؟
صورة الحرب المتغيرة
وفقاً للمفكر العسكري المعروف كارل فون كلوزفيتز، يتسم كل عصر بحروبه وظروفه الخاصة، مما يجعل من الصعب التنبؤ بنوع الحرب القادمة. تظهر استعدادات جديدة وتكتيكات غير متوقعة مع كل صراع. فكأن الحرب تتطور كالحرباء، تتلون تبعاً للظروف المحيطة بها.
لا يمكن إنكار وجود علاقة جدلية قوية بين الحرب والتكنولوجيا، حيث تتطور استراتيجيات الصراع اعتماداً على المستجدات التكنولوجية. تعمد الحروب إلى استخدام التقنيات المتاحة في عصرها، وتعمل على تطويرها لتكون أكثر فعالية في المواجهات المقبلة.
فخ توسيديدس
يتناول المفكر الأميركي غراهام إليسون فخ توسيديدس، الموضح في كتابه “حتميّة الحرب”. يشير إليسون إلى أن تصاعد قوة جديدة غالباً ما يؤدي إلى تدهور الوضع القائم، مع العلم أن الحرب ليست حتمية أبداً. بل يمكن تفاديها عبر إدارة ذكية للصراع، فهل يتجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب نحو هذا النوع من الاستراتيجية؟
تعتبر وثيقة الأمن القومي الأميركية الأخيرة الصادرة عن إدارة ترامب بمثابة خريطة جيوسياسية مهمة تحدد التوجهات الأميركية في السياسة الخارجية وتساعد الدول في رسم استراتيجياتها المستقبلية. تعكس الوثيقة مفاهيم جديدة مثل “التخليّ والاصطفاف” اللذين يعكسان المواقف المتباينة للدول في ظل التغيرات الجيوسياسية.
إعادة تشكيل التحالفات
في سياق التخلي، قد ترى القوى الكبرى أنها ملزمة بالتخلي عن دول كانت تعتبر حليفة، كما تشهد الساحة الأوروبية تغييرات في هذا الاتجاه. أما الاصطفاف، فيشير إلى سعي بعض الدول لإظهار قدرتها على دعم القوى الكبرى لتحقيق مصالح خاصة بها في المواجهات المستقبلية.
وقد تمثل عودة تجمّع دول الكواد (أميركا، اليابان، الهند، أستراليا) مثالاً على هذا الاصطفاف، حيث تمثل دول الكواد رداً على تزايد النفوذ الصيني في منطقة الإندو-باسيفيك. وفي ضوء ذلك، يُطرح سؤال حول دور الهند، وتبعات تصريحات ترامب ومدى خطط التعاون مع باكستان.
موقف الهند الدولي
تظهر استراتيجية الأمن القومي المزيد من التحديات بالنسبة للهند، حيث ذُكرت في الوثيقة كدولة تحتاج لمساهمة أكبر في تعزيز أمن المحيط الهندي. تنتقد الوثيقة الهند لعدم رفع ميزانية الدفاع، مما يعبّر عن تخوف أميركي من قدرة الهند على التعامل مع التحديات الإقليمية.
تتجه الأنظار نحو كيفية تصرف الهند في ظل التوترات مع الصين، وما إذا كانت سترتقي إلى مستوى التزاماتها في الصراعات التي لا تمس أمنها المباشر. إذا ما تشكل محور من دول مثل الصين وبنغلاديش وباكستان، فقد يؤدي ذلك إلى تراجع النفوذ الهندي في المنطقة، مما يعيد تعريف مكانتها على الساحة الدولية.


