تتزايد حدة المطالبات الدولية للأطراف الليبية بغية التوصل إلى حل نهائي لملف “المناصب السيادية”، وهو ما تجلى بوضوح خلال اجتماع لجنة المتابعة الدولية الموسع الذي عقد في طرابلس. ودعت اللجنة مجلسي النواب و”الأعلى للدولة” إلى التعجيل باستكمال إعادة تشكيل مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، بالإضافة إلى إدخال التعديلات الدستورية الضرورية.
الضغط الدولي يتصاعد
يرى مراقبون أن هذه الضغوط تعيد إنتاج التركيز على تقاسم السلطة بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية للأزمة الليبية.
اجتماع لجنة المتابعة الدولية، المنبثق عن “مسار برلين”، الذي انعقد في طرابلس، يعتبر المؤشر الثاني على تصاعد الضغط الدولي خلال شهر واحد فقط. وسبق هذا الاجتماع لقاء جمع المبعوثة الأممية هانا تيتيه والقائم بالأعمال الأمريكي جيريمي برنت في 6 نوفمبر، لحث المجلسين على تسريع الخطوات ذاتها.
تأخر في تنفيذ الخريطة
جدد اجتماع لجنة المتابعة التذكير بمرور ثلاثة أشهر على انطلاق المرحلة الأولى من “خريطة الطريق” دون إحراز تقدم كاف، مع التأكيد على أن الشعب الليبي ينتظر خطوات ملموسة نحو إجراء الانتخابات. وقد شارك في الاجتماع ممثلو حوالي عشرين دولة، سواء حضوريًا أو عبر الإنترنت.
بالمقابل، أقر مجلسا النواب و”الأعلى للدولة” ضمنيًا بوجود تأخير، حيث قدم ممثلوهما إحاطة تحدثت عن “تقدم” محرز، ووعود بـ “نتائج قريبة” دون تقديم تفاصيل واضحة. ورأى مراقبون أن هذه الخطوة تهدف إلى كسب الوقت، وتزامنت مع مطالبة المجلسين للبعثة الأممية بزيادة جهودها لجمع الأطراف واستكمال الاستحقاقات المطلوبة.
أزمة أعمق من المناصب
يرى محللون أن الأزمة الليبية تتجاوز مجرد توزيع المناصب السيادية، حيث يعاني البلد من انقسام سياسي وعسكري منذ عام 2011.
يشير عضو “المؤتمر الوطني العام” السابق، عبد المنعم اليسير، إلى أن تصاعد الحديث عن “ضغوط دولية” يعكس اختزال الأزمة الليبية في تقاسم النفوذ. ويؤكد اليسير أن الضغوط الدولية “محدودة وغير فعّالة” لأنها “تفتقر إلى ضمانات وآليات تلزم الأطراف”.
ضغوط محدودة التأثير
ويضيف اليسير أن التركيز على المناصب السيادية “استمرار لحلقة مفرغة” في ظل غياب إرادة حقيقية لتهيئة الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات أو استعادة سيادة الدولة.
من جهته، يرى الباحث السياسي، محمد الأمين، أن الضغوط الدولية “حاضرة وملموسة”، لكنها “ناعمة وغير ملزمة”. ويعتقد أن تأثير هذه الضغوط “يبقى محدوداً” بسبب غياب توافق دولي حول اتخاذ إجراءات أكثر صرامة.
تهديد بالعقوبات
ترافق ذلك مع تجدد الحديث عن العقوبات، حيث سبق للمبعوثة الأممية هانا تيتيه أن أكدت “وجود آليات لمساءلة المعرقلين، وقد تُرفع إلى مجلس الأمن عند الضرورة، ضمن إطار زمني يمتد بين 12 و18 شهراً وصولاً إلى الانتخابات”.
في المقابل، قلل اليسير من جدوى هذا الخيار، معتبراً أن الخلافات داخل مجلس الأمن “تحول العقوبات إلى مجرد ضغط إعلامي”.
سيناريو العقوبات
ويتفق الأمين مع هذا التقدير، مرجحاً أن تبقى العقوبات “سيناريو نظرياً”، لا يُفعّل إلا عند “انسداد كامل” في المسار السياسي، وأنها ستكون فردية وانتقائية في أحسن الأحوال.
يحذر اليسير من أن التركيز على توزيع المناصب قد يعيد إنتاج الأزمة ذاتها، ويؤكد أن الحل يكمن في التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، وترتيبات أمنية شاملة، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة بلا إقصاء، بضمانات دولية ملزمة تحمي العملية الانتخابية وتضمن انتقال السلطة.
مسار الحوار المهيكل
على الرغم من تركيز اجتماع لجنة المتابعة الدولية على ملف “المناصب السيادية”، كان هناك حضور لافت لمسار “الحوار المهيكل”، الذي تستعد البعثة الأممية لإطلاقه خلال الأسابيع القادمة بهدف حلحلة الأزمة السياسية. وقد قوبل هذا المسار باعتراض الحكومة المكلفة من البرلمان في شرق ليبيا، التي اعتبرت فيه “وأداً” لخريطة الطريق قبل دخولها مراحل التنفيذ.
يرى المحلل السياسي، خالد الشارف، أن “الضغوط الدولية الأخيرة بدت مساراً موازياً للحوار المهيكل”، مشيراً إلى أنها “ركزت على الجوانب التشريعية، ومنحت مؤسسات منتهية الولاية دوراً أكبر من حجمها، في محاولة لفرض رؤية خارجية تتجاهل التوازن الفعلي للقوة في ليبيا”.
خريطة طريق جديدة
تقوم “خريطة الطريق”، التي طرحتها تيتيه في أغسطس الماضي، على معالجة الخلافات التشريعية وإعادة تشكيل مجلس المفوضية أولاً، ثم تشكيل حكومة موحدة تمهّد للانتخابات، بالتوازي مع حوار موسّع يشمل الملفات الأمنية والاقتصادية والانتخابية.
في ظل استمرار اجتماعات لجنة المتابعة وتكثيف التحركات الأممية، يأمل الليبيون في أن تدفع الضغوط الدولية نحو حل حقيقي، بدلاً من الدخول في فصل جديد من إدارة الأزمة.


