في تحول استراتيجي يعكس عمق العلاقات الثنائية، اختتم مسؤولون سعوديون وأمريكيون زيارة مثمرة إلى واشنطن، مثلت نقطة تحول في التعاون الاستراتيجي بين البلدين، وتشمل حزمة من الاتفاقيات النوعية في شتى المجالات.
تحول استراتيجي
تتجاوز نتائج الزيارة مجرد تطوير التعاون الثنائي، إذ يرى محللون أن مخرجاتها تشير إلى تحول أعمق في مكانة المملكة العربية السعودية على الساحتين الإقليمية والدولية، كلاعب مستقل قادر على صياغة المشهد المتغير.
يؤكد خبراء أن ما حدث في واشنطن يمثل لحظة لإعادة ترتيب وزن الفاعلين في منظومة الأمن الإقليمي، وليس مجرد استئناف لمسار قديم، في ظل المتغيرات العالمية المتسارعة.
دعم القدرات الدفاعية
الاستقبال الرفيع المستوى لولي العهد، وإعلان المضي قدمًا في بيع مقاتلات “إف-35” للمملكة، وفتح مسار لاتفاق نووي سلمي محتمل، يؤكد أن الرياض باتت عنصرًا فاعلًا في تشكيل معادلة القوة والاعتماد المتبادل.
الجدير بالذكر، إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصنيف السعودية “حليفًا رئيسيًا خارج حلف شمال الأطلسي”، وموافقته على بيعها مقاتلات “إف-35” الأكثر تطورًا في العالم، في سابقة لجيش عربي.
اتفاقيات استراتيجية
شهدت الزيارة توقيع اتفاقية الدفاع الاستراتيجي، والشراكة الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي، والإعلان المشترك عن اكتمال المفاوضات بشأن التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية، والإطار الاستراتيجي للتعاون في تأمين سلاسل إمدادات اليورانيوم والمعادن والمغانط الدائمة والمعادن الحرجة.
من زاوية أمنية سعودية، تعكس هذه التطورات انتقالًا تدريجيًا من دور “العمق” إلى دور “تشكيل المشهد”، مع امتلاك المملكة لقدرة مالية واستثمارية مؤثرة، وموقع مركزي في أسواق الطاقة والمعادن الحرجة، وقاعدة متنامية في مجالات التقنية والذكاء الاصطناعي.
منتدى الاستثمار
أسفر “منتدى الاستثمار الأميركي السعودي” عن توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين الجانبين بقيمة تقارب 270 مليار دولار، مما يعزز الشراكة الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين.
إعادة توزيع الأدوار
يرى محللون أن الزيارة شهدت مستوى من الرمزية السياسية يتجاوز إطار الصفقات، ويمكن قراءتها بصفتها إعلانًا عن إعادة توزيع للأدوار داخل منظومة التحالف التقليدي، بما يعزز الاستقرار الإقليمي.
إتمام صفقة بيع مقاتلة “إف-35” يعني أن واشنطن باتت تنظر إلى السعودية بوصفها فاعلًا قادرًا على حمل مسؤوليات أمنية إقليمية أوسع، وليس مجرد متلقٍ للمظلة الأميركية، مما يضع الرياض في موقع اللاعب المستقل القادر على فرض إيقاعه.
تحالف استراتيجي
تؤكد الاتفاقيات أن السعودية والولايات المتحدة حليفان استراتيجيان، وتضفي طابعًا رسميًا على هذا النوع من التحالف، في ظل التحديات الجيوسياسية المتزايدة.
ترتبط السعودية بعلاقات وثيقة بالولايات المتحدة لنحو تسعة عقود، ترسخت خلالها مجالات التعاون بشكل أعمق، في مختلف المجالات الحيوية.
استقلالية القرار
يرى مراقبون أن أهم ما نتج من الزيارة هو فك الارتباط بين مسار العلاقات مع الولايات المتحدة وملف التطبيع، مما يؤكد استقلالية القرار السعودي وسيادته.
الدور السعودي حاضر دائم، والمملكة كانت دائمًا لاعبًا مؤثرًا، يتخذ قراراته وفق مصالحه ويدير علاقاته الدولية باستقلالية تامة، مع رؤية واضحة لما ينبغي أن يكون عليه المشهد الإقليمي.
لاعب محوري
رسخت المملكة موقعها لاعبًا محوريًا في التوازنات بين الشرق والغرب، مستثمرة علاقاتها المتوازنة لتحقيق مكاسب استراتيجية دون الارتهان لأي محور، وأصبحت لاعبًا فعالًا في التوازنات السياسية والاقتصادية.
يُذكر أن منطقة الشرق الأوسط تشهد صراعات وتوترات إقليمية، مما يجعل التنسيق والتعاون بين السعودية والولايات المتحدة أمرًا بالغ الأهمية.
إدارة الأزمات
سيُقاس الوزن الحقيقي لهذه التفاهمات بقدرتها على التحول إلى التزامات نافذة، وبمدى نجاح الرياض في استثمار هذا الزخم لبناء نموذج أمني تنموي قادر على إدارة وحل الأزمات بدل التعايش معها.
الزيارة ليست حدثًا بروتوكوليًا، بل إشارة إلى بداية فصل جديد تعيد فيه السعودية رسم قواعد اللعبة الإقليمية من موقع الفاعل لا المتلقي، في ظل عالم يشهد تحولات متسارعة.


