الإثنين 17 نوفمبر 2025
spot_img

تحقيق يكشف تورط «مارينز» بمجزرة حديثة وإفلاتهم من العقاب

spot_img

في تحقيق استقصائي جديد، كشفت شبكة “بي بي سي” البريطانية عن أدلة جديدة تدين اثنين من جنود مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) بالتورط في مقتل عائلة عراقية في مدينة حديثة بمحافظة الأنبار عام 2005، دون أن تتم محاسبتهم قضائيًا.

وتثير هذه الأدلة، التي تتضمن شهادات وإفادات جمعت عقب الحادثة، تساؤلات حول نزاهة التحقيق الأمريكي الذي أعقب المجزرة، وتطرح علامات استفهام حول آليات محاسبة القوات الأمريكية على أفعالها في الخارج.

تفاصيل مجزرة حديثة

تعود تفاصيل الحادثة إلى 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005، حين اقتحمت قوات المارينز منزلًا في مدينة حديثة، وأطلقت النار على الأبوين وأطفالهما الخمسة، إضافة إلى خالة الأطفال.

كانت هذه الحادثة جزءًا مما عرف لاحقًا بـ”مذبحة حديثة”، حيث قُتل 24 مدنيًا عراقيًا، بينهم نساء وأطفال، على يد جنود المارينز، ما يجعلها واحدة من أسوأ الجرائم التي ارتكبت بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.

تحقيقات معطلة وغياب العدالة

أثار هذا الحادث أطول تحقيق في جرائم حرب خلال حرب العراق، لكنه انتهى دون إدانة أي جندي في عمليات القتل، إذ ادعى جنود المارينز أن إطلاق النار جاء كرد فعل على مقتل أحد جنودهم وإصابة اثنين آخرين بانفجار عبوة ناسفة.

في المقابل، أكدت صفاء، الناجية الوحيدة من العائلة، والتي كانت تبلغ من العمر 13 عامًا وقت وقوع الحادث، أن العائلة لم تكن مسلحة ولم توجه إليها أي اتهامات. نجت صفاء من الموت بالتظاهر بأنها ميتة بين جثث أشقائها.

تورط عناصر “المارينز”

وجهت اتهامات بالقتل في البداية لأربعة من مشاة البحرية، لكن مع تقديم روايات متضاربة، أسقط المدعون العسكريون الأمريكيون التهم عن ثلاثة منهم، ومنحوهم حصانة من الملاحقة القضائية.

هذا الإجراء جعل الرقيب فرانك ووتريتش، قائد الفرقة، المتهم الوحيد الذي واجه المحاكمة في عام 2012.

شهادة جندي حاسمة

في تسجيل فيديو لجلسة استماع لم يُعرض من قبل، حصلت عليه “بي بي سي”، تم استجواب الجندي هامبرتو ميندوزا، أصغر عضو في الفريق، والذي أعاد تمثيل ما حدث في منزل صفاء.

اعترف ميندوزا، الذي لم توجه إليه أي تهم، بقتل والد صفاء عندما فتح باب المنزل، وأكد أنه لم يكن مسلحًا.

روايات متضاربة

في السابق، ادعى ميندوزا أنه لم يدخل غرفة النوم التي كانت بها صفاء وعائلتها، لكن في تسجيل صوتي آخر، ذكر أنه تقدم داخل الغرفة لمسافة 2.4 متر.

يشير خبير الطب الشرعي مايكل مالوني، الذي حقق في المذبحة عام 2006، إلى أن هذا الاعتراف يضع ميندوزا في المكان الذي استنتج مالوني أن مطلق النار الأول كان يقف فيه.

اعتراف ضمني بالجريمة

يعتبر مالوني أن هذا الاعتراف بمثابة إقرار من ميندوزا بكل شيء باستثناء إطلاق النار نفسه، ويؤكد أن ميندوزا كان يقف في المكان الذي استنتج مالوني أن مطلق النار الأول كان يقف فيه، عند نهاية السرير.

كما قدمت صفاء إفادة مصورة عام 2006 وصفت فيها كيف ألقى الجندي الذي فتح باب غرفة النوم قنبلة يدوية لم تنفجر، ثم دخل وأطلق النار على عائلتها.

شهادة جندي آخر

جندي آخر يدعى ستيفن تاتوم، لم ينكر مشاركته في إطلاق النار، لكنه ادعى أنه تبع قائد الفرقة، ووتريتش، إلى غرفة النوم، وزعم في البداية أنه لم يكن يعلم بوجود نساء وأطفال هناك بسبب ضعف الرؤية.

لكن في ثلاثة تصريحات لاحقة، قدم تاتوم رواية مختلفة، إذ قال إنه رأى الأطفال جاثين على ركبهم، وأنه اتبع تدريباته بإطلاق رصاصتين على الصدر واثنتين على الرأس.

إقرارات وانتزاعات قسرية

بعد شهر من ذلك، قال تاتوم إنه تمكن من التعرف على هوية الأشخاص في الغرفة، وهم نساء وأطفال، قبل إطلاق النار عليهم، ثم بعد أسبوع، قال إنه رأى الطفل الذي قتله، ووصفه بأنه كان يرتدي قميصًا أبيض، واقفًا على السرير.

لاحقًا، ادعى محامو تاتوم أن هذه الإفادات انتزعت منه بالإكراه، وأسقطت التهم الموجهة ضده في آذار (مارس) 2008، وتم تجاهل أقواله في محاكمة ووتريتش.

تهمة “الإهمال والتقصير”

أصر ووتريتش على أنه لا يتذكر ما حدث في منزل صفاء، ووافق على الإقرار بالذنب في تهمة الإهمال والتقصير في أداء الواجب، وهي تهمة لا علاقة لها بأي تورط مباشر في عمليات القتل.

وصف محامي ووتريتش العسكري العقوبة بأنها “تعادل صفعة على المعصم… مثل مخالفة السرعة”، وأن التحقيق والمحاكمة ضد موكله برمتهما كانا “فاشلين”.

عدالة غائبة

أقر محامو ووتريتش بأن العملية كانت معيبة للغاية، وأن الحكومة دفعت أموالاً لأشخاص ليكذبوا ومنحتهم حصانة، وهكذا تمت إساءة استخدام العملية القانونية، وأن انطباعات الناجين عن أن المحاكمة كانت صورية دون نتيجة حقيقية، ودون معاقبة أحد، كانت صحيحة.

لا تزال صفاء، البالغة من العمر الآن 33 عامًا، تعيش في حديثة ولديها ثلاثة أطفال، وتقول إنها لا تفهم كيف لم يعاقب أي جندي على مقتل عائلتها.

مطالبات بالعدالة

تطالب صفاء بمحاسبة المسؤولين عن مقتل عائلتها ومعاقبتهم قانونًا، مؤكدة أن مرور ما يقرب من 20 عامًا دون محاكمة هو الجريمة الحقيقية.

في رد على هذا التقرير، أكدت قوات مشاة البحرية الأمريكية التزامها بإجراءات عادلة وعلنية بموجب القانون الموحد للقضاء العسكري، مضيفة أنها لن تعيد فتح التحقيق إلا إذا قدمت أدلة جديدة غير مدروسة ومقبولة.

اقرأ أيضا

اخترنا لك