شهد موسم الحج الماضي نقلة نوعية في التنظيم والخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، تجسيدًا للعمل المؤسسي الذي تقوده المملكة العربية السعودية. هذا ما أكده الدكتور توفيق الربيعة، وزير الحج والعمرة، مشددًا على التكامل الفعال بين القطاعات الحكومية المختلفة، والذي انعكس إيجابًا على جودة الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن.
تكامل القطاعات الحكومية
جاءت تصريحات الوزير الربيعة خلال مشاركته في مؤتمر ومعرض الحج والعمرة بنسخته الخامسة في جدة، تحت عنوان “من الرؤية إلى الواقع… تكامل القطاعات في خدمة ضيوف الرحمن”. شهد المؤتمر مشاركة واسعة من جهات حكومية وخاصة سعودية ودولية، بالإضافة إلى الأكاديميين والباحثين وممثلي شؤون الحجاج من مختلف دول العالم.
هيكلة منظومة الخدمات
أوضح الدكتور الربيعة أن الوزارة عملت على إعادة هيكلة منظومة تقديم الخدمات للحجاج، عبر فتح المنافسة أمام عدد أكبر من الشركات المتخصصة، بعد أن كانت مقتصرة على عدد محدود من المؤسسات، بهدف رفع مستوى الكفاءة التشغيلية والتنوع والابتكار في الباقات المقدمة.
منصة “نسك مسار” الرقمية
أشار الربيعة إلى أن منصة “نسك مسار” أصبحت أكبر منصة مالية رقمية في المنطقة، تعمل بنظام حسابات الضمان لحماية الحقوق المالية للحجاج والدول ومقدمي الخدمات. لا يتم تحويل أي مبالغ مالية إلا بعد تنفيذ الخدمة فعليًا، وتشمل المنصة حاليًا تعاقدات مع 127 دولة، وساهمت في استرجاع مبالغ ضخمة في حالات الإخلال بالعقود.
بطاقة “نسك” الذكية
في مجال التحول الرقمي، أكد الوزير أن بطاقة “نسك” الذكية أصبحت إلزامية لدخول الحرم والمشاعر، وتحتوي على بيانات شخصية وصحية تسهل التعرف على الحجاج النظاميين. البطاقة تمثل نموذجًا متكاملاً لتبادل البيانات بين القطاعات الأمنية والصحية والخدمية، كما كشف عن زيادة مواقع الإثراء التاريخية في مكة والمدينة بهدف إثراء التجربة الدينية والثقافية للحاج والمعتمر.
أكثر من 110 آلاف جولة تفتيشية
أوضح ماجد الحقيل، وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان، أن القطاع البلدي ساهم في الارتقاء بتجربة الحاج عبر نموذج مؤتمت يعتمد على التحليل اللحظي للبيانات. تقدم الوزارة ست خدمات أساسية تشمل: سلامة الوصول، وصحة الغذاء، والنظافة، وإدارة النفايات، والتراخيص، وإكرام الموتى.
سلامة الغذاء والنظافة
أشار الحقيل إلى تنفيذ أكثر من 110 آلاف جولة تفتيشية على مرافق التغذية والمطابخ المركزية بالتعاون مع هيئة الغذاء والدواء، ما ساهم في ضمان سلامة الوجبات المقدمة، وتحقيق صفر حالات تسمم غذائي خلال موسم الحج الماضي لأول مرة منذ عقود. تعاملت فرق الأمانات مع كميات كبيرة من النفايات، وتم تطوير قنوات التصريف للتعامل مع الأمطار والسيول، وذلك في إطار خطة وقائية متكاملة.
“الاستطاعة” شرط أساسي للتأشيرة
أكد فهد الجلاجل، وزير الصحة، أن راحة ضيوف الرحمن هي أولوية قصوى. وأوضح أن المنظومة الصحية تعمل بتكامل مع أكثر من 60 جهة حكومية لإدارة المخاطر ومتابعة الأوبئة، وأن شهادة الاستطاعة الصحية أصبحت شرطًا أساسيًا للحصول على تأشيرة الحج، مما يقلل الحالات الحرجة.
أساور ذكية للمتابعة الصحية
كشف الجلاجل عن تطبيق الأساور الذكية التي تتابع المؤشرات الحيوية للحجاج، وترتبط بمراكز المراقبة الطبية، مما مكن الفرق الطبية من رصد أي خلل صحي والتدخل الفوري. موسم 2024 كان من أفضل المواسم منذ عام 2009 بعد انخفاض حالات ضربات الشمس.
إجراءات أمنية مشددة
أكد الفريق محمد البسامي، مدير الأمن العام، أن المنظومة الأمنية عملت وفق خطط تشغيلية ومعايير تصميمية شاملة، وأن مركز القيادة والسيطرة في مكة المكرمة يدير المنظومة الميدانية عبر آلاف الكاميرات والمؤشرات التشغيلية، مع إنشاء سجل وطني للمخاطر يتيح التدخل الفوري.
مكافحة الحملات الوهمية
كشف البسامي عن ضبط مئات الحملات الوهمية ومنع دخول آلاف المخالفين إلى مكة المكرمة، مؤكدًا أن هذه الإجراءات أسهمت في تفريغ المشاعر المقدسة بالكامل للحجاج النظاميين. نموذج الحج السعودي بات يُدرس بوصفه نموذجًا تشغيليًا عالميًا في إدارة الحشود والأمن الذكي.
مبادرة “الحاج بلا حقيبة”
أشار الدكتور رميح الرميح، نائب وزير النقل والخدمات اللوجيستية، إلى أن قطاع النقل وفّر أكثر من ثلاثة ملايين مقعد طيران خلال موسم الحج الماضي، وأشرف على نقل ملايين الأضاحي والهدي، مع صيانة آلاف الكيلومترات من الطرق البرية. مبادرة “الحاج بلا حقيبة” استفاد منها مئات الآلاف من الحجاج، مع خطة لزيادة هذا العدد.
تطوير قطاع النقل
أوضح الرميح أن قطار الحرمين نقل ملايين الحجاج والمعتمرين، مع خطة لرفع الطاقة الاستيعابية، وأن “الدرونز” دخلت الخدمة في نقل عينات الدم والأدوية بين المستشفيات بسرعة وكفاءة.
تحقيق مستهدفات الرؤية
اتفق الوزراء والمسؤولون على أن موسم الحج الماضي يمثل نقطة تحول في إدارة الحشود والخدمات الذكية، وأن ما تحقق من تكامل بين القطاعات هو ترجمة عملية لمستهدفات رؤية السعودية 2030. الحج لم يعد مناسبة موسمية بل منظومة تشغيلية متكاملة على مدار العام، تضع راحة ضيوف الرحمن في صدارة أولوياتها.