الإثنين 27 أكتوبر 2025
spot_img

لبنان وإسرائيل: مفاوضات متقطعة بوساطة مستمرة نحو تهدئة

spot_img

في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة، يواجه لبنان تحديات متجددة لإدارة علاقاته المعقدة مع إسرائيل. منذ عام 1948، اعتمدت بيروت استراتيجية حذرة تقوم على التفاوض غير المباشر عبر وسطاء دوليين، مع تجنب أي حوار سياسي مباشر مع تل أبيب.

مسار التفاوض

هذا النهج، الذي بدأ باتفاقية الهدنة عام 1949، استمر حتى ترسيم الحدود البحرية عام 2022، مما يعكس توازناً دقيقاً بين الرفض السياسي والضرورة العملية لمعالجة القضايا الميدانية الملحة.

التطورات الإقليمية المتسارعة، بما في ذلك تبدل موازين القوى والضغوط الدولية لإرساء استقرار دائم على الحدود الإسرائيلية، تعيد فتح ملف المفاوضات بين لبنان وإسرائيل. الوساطات الأمريكية المكثفة تشير إلى أن لبنان قد يواجه قريباً اختباراً صعباً.

محطات تاريخية

العلاقات اللبنانية الإسرائيلية شهدت منذ عام 1948 عداءً مستمراً، لكن الضرورة فرضت صياغة تفاهمات عبر وسطاء لإنهاء النزاعات المسلحة والحروب المتعددة التي شهدها البلدان منذ تسعينات القرن الماضي.

اتفاقية الهدنة

اندلع أول صراع بين لبنان وإسرائيل عام 1948، حيث شارك الجيش اللبناني في الحرب التي أعقبت إعلان قيام دولة إسرائيل. انتهى الصراع باحتلال إسرائيل لبلدات في العمق اللبناني، ولم تنسحب تل أبيب إلا بعد توقيع اتفاقية الهدنة عام 1949 في الناقورة.

الكاتب السياسي جورج غانم، الذي واكب الأحداث اللبنانية عن كثب، يوضح أن المفاوضات التي سبقت الاتفاقية جرت برعاية الأمم المتحدة، بناءً على قرار مجلس الأمن الصادر في نوفمبر 1948، والذي نص على عدم استخدام القوة العسكرية في تسوية القضية الفلسطينية.

ترتيبات أمنية

الاتفاقية، التي وقعت بحضور ممثل الأمم المتحدة، كانت نتاج أول مفاوضات عسكرية بين الطرفين، بمشاركة مستشار دبلوماسي وقانوني من الجانب اللبناني. أدت إلى ترتيبات أمنية على جانبي الحدود وتوزيع متساو للقوى، مع تثبيت الحدود والإشراف الأممي على التنفيذ.

تم تثبيت الحدود وفقاً لاتفاقية بوليه – نيوكمب لعام 1923، وعلى الرغم من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة بين عامي 1968 و1982، ظل لبنان الرسمي متمسكاً باتفاقية الهدنة.

الاجتياح الإسرائيلي

يوضح غانم أن لبنان لم يشارك في حرب 1967، بل تمسك باتفاق الهدنة وأعلن تضامنه مع الدول العربية. بعد الحرب، بدأت إسرائيل في التوسع باتجاه مزارع شبعا، مما أدى إلى انطلاق العمليات الفدائية من لبنان عام 1968.

توقيع اتفاقية القاهرة بين لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1969، والتي سمحت للمقاومة الفلسطينية بالعمل العسكري ضد إسرائيل من مناطق محددة في الجنوب اللبناني، أدى إلى اتهام إسرائيل للبنان بخرق اتفاق الهدنة، مما فجر الوضع.

اتفاق 17 أيار

في عام 1978، اجتاحت إسرائيل لبنان في عملية الليطاني، وسيطرت على الضفة الجنوبية لنهر الليطاني. طالب قرار مجلس الأمن رقم 425 بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة. وفي عام 1982، نفذت إسرائيل اجتياحاً واسعاً وصل إلى بيروت، ولم تنسحب إلا بعد مفاوضات أدت إلى توقيع اتفاق أمني في 17 مايو 1983، مع لجان اقتصادية وسياسية وأمنية، ورعاية أمريكية مباشرة.

المفاوضات التي سبقت هذا الاتفاق، بحسب غانم، كانت دبلوماسية عسكرية بمشاركة سفراء من الطرفين، وانتهت باتفاق عسكري أمني لإنهاء حالة الحرب. لكن الاتفاق واجه معارضة شديدة في لبنان وألغاه مجلس النواب، كما ألغى اتفاق القاهرة عام 1987.

مفاوضات 1985

في عام 1985، جرت مفاوضات عسكرية بين لبنان وإسرائيل لترتيب الانسحاب الإسرائيلي، الذي تم من بيروت والجبل عام 1983، ومن صيدا عام 1985. هدفت مفاوضات 1985 إلى استكمال الانسحاب من جزين وباقي الجنوب والعودة إلى اتفاقية الهدنة، علماً بأن إسرائيل انسحبت من جزين عام 1999، ومن سائر الأراضي اللبنانية المحتلة في عام 2000.

في عام 2000 وبعد الانسحاب الإسرائيلي من الشريط الحدودي، تم التوصل إلى اتفاق عبر وساطة الأمم المتحدة على الخط الأزرق، الذي لم يكن خطاً نهائياً للحدود، مع بقاء خلاف على 13 نقطة وعلى مزارع شبعا وقرية الغجر.

ترسيم الحدود البحرية

بعد حرب 2006، صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي أنهى الحرب. لم تحدث أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة بين إسرائيل ولبنان حتى عام 2022، عندما جرت مفاوضات غير مباشرة برعاية أمريكية وبوساطة آموس هوكستين لترسيم الحدود البحرية.

اتفاق وقف النار

قاد هوكستين أيضاً مفاوضات غير مباشرة أدت إلى وقف الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2024، من خلال التفاهم على اتفاق وقف النار في نوفمبر من العام نفسه.

بعد تنصل إسرائيل من هذا الاتفاق ومواصلتها خروقاتها وعملياتها العسكرية واحتلالها لأراض لبنانية، تجدد الحديث عن ضرورة خوض مسار تفاوضي جديد. تفضل واشنطن أن يكون هذا التفاوض مباشراً ويؤدي إلى هدنة جديدة تتحول إلى تطبيع للعلاقات بين البلدين، لكن لبنان الرسمي لا يزال يرفض أي مفاوضات مباشرة، ويقبل فقط بمفاوضات غير مباشرة تؤدي إلى تثبيت وقف إطلاق النار وإلزام إسرائيل بتطبيق التزاماتها.

اقرأ أيضا

اخترنا لك