الثلاثاء 21 أكتوبر 2025
spot_img

الكسم.. رحيل رئيس وزراء سوريا في زمن التقشف

spot_img

رحيل عبد الرؤوف الكسم، رئيس الوزراء السوري الأسبق، يعيد إلى الأذهان حقبة التقشف والاكتفاء الذاتي التي شهدتها سوريا في ثمانينيات القرن الماضي. ارتبط اسم الكسم بسياسات اقتصادية واجتماعية واجهت تداعيات دعم دمشق لإيران في حربها مع العراق، بالتزامن مع حملة النظام ضد جماعة الإخوان المسلمين والمعارضة.

الكسم.. رمز حقبة اقتصادية عصيبة

توفي الكسم عن عمر يناهز 93 عامًا في ميونيخ بألمانيا، تاركًا وراءه تاريخًا حافلًا كأحد أبرز الشخصيات في نظام حافظ الأسد. لعب دورًا محوريًا في إدارة الاقتصاد السوري خلال فترة تميزت بتحديات داخلية وإقليمية كبيرة، خاصة بعد قرار الأسد بدعم إيران عام 1980، ما أدى إلى توقف المساعدات المالية الخليجية.

تم تكليف الكسم، وهو من دمشق وابن مفتي الديار الشامية الأسبق، بتشكيل حكومة جديدة لمواجهة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.

سياسات التقشف وارتفاع الأسعار

يتذكر السوريون سياسات الكسم التي اعتمدت على تصريف منتجات المؤسسات العامة الراكدة بسبب ضعف الجودة والفساد. شهدت تلك الفترة ارتفاعًا كبيرًا في أسعار السلع، وصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 400%، مقابل زيادة محدودة في الرواتب بنسبة 25% فقط.

ترافقت هذه الإجراءات مع وقف استيراد العديد من المواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية، ما أدى إلى اختفائها من الأسواق واحتكار بيعها عبر المؤسسات الحكومية.

طوابير الانتظار ونكات سياسية

اضطر السوريون إلى الوقوف لساعات طويلة في طوابير للحصول على السلع الأساسية، بينما لجأ الميسورون إلى أسواق التهريب للحصول على بعض الكماليات بأسعار باهظة. انتشرت النكات حول سياسة الكسم التي “نشفت كل شيء في البلد” لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وفقًا لشهادات معاصرين لتلك الفترة.

يرى البعض أن هذه النكات كانت جزءًا من لعبة أمنية تهدف إلى تحميل رئيس الوزراء مسؤولية القرارات الصعبة والتردي المعيشي.

مسؤولية الأزمة وتبرئة النظام

كانت مهمة الكسم منع انهيار الاقتصاد السوري في ظل تداعيات قطع المساعدات، وتورط النظام في الحرب اللبنانية، ومواجهة المعارضة الداخلية. رغم ذلك، تم تحميله المسؤولية الكاملة عن الأزمة الاقتصادية، حتى أن بعض المسؤولين وصفوا وجهه بأنه “شؤوم على الاقتصاد السوري”.

يؤكد البعض أن اختيار الكسم لرئاسة الحكومة كان بتزكية من رفعت الأسد، أو بهدف تجميل صورة النظام بشخصية دمشقية مرموقة في مواجهة الإسلاميين.

المسيرة الأكاديمية والمهنية

درس عبد الرؤوف الكسم الفلسفة والهندسة المعمارية، وحصل على الدكتوراه من جامعة جنيف. انضم إلى حزب البعث في وقت مبكر، وأسس مكتبًا هندسيًا عام 1965، وعمل على مشاريع مهمة مثل كلية الفنون الجميلة في دمشق.

كما عمل في التدريس بقسم العمارة بكلية الفنون الجميلة، وترأسه لفترة، وينسب إليه قرار فصل الطلاب بسبب احتجاجهم على إحدى المحاضرات.

المناصب الحكومية والتقاعد

تولى الكسم منصب محافظ دمشق قبل أن يصبح رئيسًا لمجلس الوزراء، وشكل ثلاث حكومات. بعد إقالته عام 1987، عين رئيسًا لمكتب الأمن القومي حتى عام 2000.

بعدها، ابتعد عن الأضواء، ولم يصدر عنه أي تعليق بعد اندلاع الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد عام 2011، وظل ملتزمًا الصمت طوال السنوات الماضية حتى وفاته.

ذاكرة التقشف على السوشيال ميديا

أثار نبأ وفاة الكسم ذكريات مريرة لدى السوريين، وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي عاصفة من التعليقات التي استحضرت تلك الفترة الصعبة من تاريخ البلاد، وما شهدته من شح وتقشف.

اقرأ أيضا

اخترنا لك