يستعد فيلم “هجرة” للمخرجة والكاتبة السعودية شهد أمين، لترك بصمة مميزة في عالم السينما، حيث يمثل العمل الروائي الطويل الثاني لها بعد “سيدة البحر” التي عرضت عام 2019. وحاز الفيلم على جائزة “نتباك” لأفضل فيلم آسيوي في مهرجان فينيسيا، وهو ما يزيد من زخمه الفني والانتشار.
شراكات إنتاجية واسعة
جذب الفيلم انتباه النقاد والجماهير بفضل شراكته الإنتاجية الواسعة، حيث تم إنتاجه بالتعاون مع فيصل بالطيور، ومحمد الدراجي، ومحمد حفظي، إضافة إلى فيلم العلا. كما تلقى الدعم من عدة جهات، مثل مسابقة “ضوء” التابعة لهيئة الأفلام وصندوق البحر الأحمر، حيث تم تصوير العمل على مدار 58 يوماً في مناطق متعددة تضم المدينة المنورة، تبوك، العلا، جدة، نيوم، ضبا، وتيماء.
تدور أحداث الفيلم حول رحلة حج تبدأ بعائلة مكونة من الجدة “ستي” (التي تجسد دورها الممثلة خيرية نظمي) وحفيدتيها “جنى” (الطفلة لمار فادن) و”سارة”. خلال استراحة مؤقتة، تختفي “سارة”، مما يبدأ رحلة بحث مضنية عبر مدن صحراوية وصعبة، تكشف عن الصراع بين الأجيال وأبعاد الحرية والاختيار.
غياب “سارة”
في مواجهة الفقد، تظهر الجدة بحزم بينما ينمو وعي “جنى”، التي تتحول من طفلة لمراهقة. ومع غياب “سارة” عن الشاشة، يبقى اسمها حاضراً كرمز للغياب والتفاعل العاطفي. القصة تستكشف تعقيدات الغياب وتأثيراته العميقة.
تتعزز الأحداث بتصوير الأماكن، حيث تسهم الطبيعة المحيطة في تشكيل المشهد الدرامي، من صحارى مفتوحة إلى جبال بعيدة. البيئة ليست مجرد خلفية، بل تتفاعل مع الشخصيات، حيث يصبح الطريق رمزاً لتحولاتهم وتجاربهم الداخلية.
الشخصيات الرمادية
تتوالى الأحداث والبحث عن “سارة” يؤكد التنوع الثقافي للأجيال. تجسد الممثلة خيرية نظمي دور الجدة بتعابير مركبة من القوة والخوف، بينما ينتقل وعي “جنى” من البراءة إلى النضج. كما يمثل “أحمد” (نواف الظفيري) شخصية معقدة تجمع بين الغموض والإنسانية، ما يعكس تناقضات الحياة في هذا الواقع السعودي.
يقدم الفيلم صورة اجتماعية معقدة، حيث يجسد “أحمد” الواقع القانوني واللاقانوني بالتوازي. وعلاقته بـ”جنى” تُظهر جانباً من التودد والاحترام ضمن ظروف معقدة.
إيقاع بطيء وتفاصيل غنية
يتناول الفيلم موضوعات متعددة تتراوح بين الأعراف والممارسات الروحانية، ويترك للمشاهد الوقت للتفكر في واقع الشخصيات. الإيقاع البطيء يكشف عن عمق المشاعر والتوقعات، مشكلاً مساحة للتأمل في تعقيدات مسار الحياة.
مع تقدم القصة، يترك الفيلم مساحة للقراءات المتعددة، ويطرح تساؤلات حول المستقبل، حيث تبرز النهاية بصورة رمزية تفتح أمام المشاهد آفاقاً جديدة للتأمل.
ختام مفتوح
يلخص “هجرة” التجربة الإنسانية في رحلات البحث عن الذات والحرية، حيث يخوض الشخصيات تحدياتهم بجرأة. يعكس الفيلم بوضوح تحولات السينما السعودية وقدرتها على مناقشة قضايا معقدة تهم المجتمع.
بينما تبقى العناصر التقنية والغرافيكس من المستوى العالي، يحتاج العمل إلى تحسين بعض الجوانب في بناء الشخصيات وإيقاع السرد. يلقي الفيلم الضوء على مرحلة هامة من السينما السعودية، مقدماً رحلات تربط الحاضر بالماضي، وتفتح أبواباً جديدة لإعادة التفكير في الهوية والحرية.