الثلاثاء 23 سبتمبر 2025
spot_img

عبد العزيز وخزعل.. تحالفات استراتيجية في الخليج العربي المتغير

spot_img

العلاقات بين الملك عبد العزيز والشيخ خزعل الكعبي، حاكم الأحواز، اتسمت بالود المتبادل وتعزيز النفوذ الإقليمي، وفقًا لمعادلة سياسية متغيرة في فترة تشكيل الكيانات السياسية في شبه الجزيرة العربية. هذه العلاقة، التي وصفتها الدكتورة سامية سليمان الجابري من جامعة حائل، كانت مزيجًا من الحياد والمصالح المشتركة.

تشكل الشرق الحديث

في مرحلة التشكّل السياسي لما يعرف بـ “الشرق العربي الحديث”، نشأت علاقة استراتيجية بين الملك عبد العزيز والشيخ خزعل الكعبي، تجسدت في المراسلات واللقاءات الرسمية. ورغم اختلاف الظروف السياسية لكل منهما، أسست هذه العلاقة لتفاعل سياسي قائم على تبادل المصالح وتعزيز المكانة الإقليمية في معادلة إقليمية متغيرة.

أدرك الملك عبد العزيز أهمية بناء علاقات مع القوى المحلية، ثم توسيعها لتشمل قوى إقليمية فاعلة كبريطانيا، مع فتح قنوات تواصل مع زعامات مؤثرة على الضفة المقابلة من الخليج العربي لتحقيق التوازن. في المقابل، سعى الشيخ خزعل إلى إيجاد فضاء عربي-خليجي لموازنة النفوذ الإيراني المتصاعد.

جذور العلاقة

تعود جذور العلاقة بين الملك عبد العزيز والشيخ خزعل إلى فترة إقامة الملك في الكويت قبل استعادة الرياض، حيث أتاحت له فرصة اللقاء المتكرر بالشيخ خزعل، الذي كان يزور الشيخ مبارك الصباح بانتظام.

اقتصرت العلاقة في البداية على دور الوساطة، خاصة في الخلافات التي تكون الكويت طرفًا فيها، مما جعل مواقف الشيخ خزعل مرتبطة بمصالح الكويت وروابطه الشخصية بأمرائها.

وساطة بريطانية

يُعدّ دور الشيخ خزعل في أزمة الأحساء والعجمان عام 1913 مثالًا على وساطاته بتوجيه بريطاني وتماشيًا مع المصالح الكويتية، فبعد استعادة الملك عبد العزيز للأحساء، نشب خلاف مع قبيلة العجمان، فاستقبلهم الشيخ مبارك الصباح وأعلن حمايته لهم.

اعتبر الملك عبد العزيز هذا الموقف تدخلًا في شؤونه، مما أثار قلق البريطانيين الذين حرصوا على منع أي مواجهة عسكرية بين القوى الإقليمية خشية تهديد أمن طرق التجارة والنفوذ البريطاني.

مؤتمر الكويت

لعب الشيخ خزعل دورًا في التمهيد لمؤتمر الكويت، حيث دعا الملك عبد العزيز للمشاركة، مؤكدًا متانة العلاقة بينهما ومستندًا إلى الروابط الوثيقة بين الملك عبد العزيز وأمير الكويت.

أكد الشيخ خزعل على أهمية توطيد علاقة الملك عبد العزيز بالحكومة البريطانية، التي كانت تُظهر نفسها كراعٍ لمصالح العرب وداعمٍ لنهضتهم السياسية.

اتفاقية المحمرة

في محاولات تسوية النزاعات الخليجية، اضطلع الشيخ خزعل بدور في حل الخلاف بين نجد والعراق، حول تبعية بعض القبائل الحدودية ورسوم الحدود المشتركة.

استضاف الشيخ خزعل مفاوضات رسمية بين ممثلي الطرفين في المحمرة، بحضور المندوب السامي البريطاني السير برسي كوكس، في تأكيد على رعاية بريطانيا للمفاوضات وسعيها لاحتواء النزاع.

مؤتمر العقير

رغم أن اجتماعات المحمرة أسفرت عن مشروع اتفاق مبدئي، إلا أنه لم يحظَ بمصادقة رسمية بسبب عدم توافق الرؤى بشأن الحدود القبلية.

في عام 1922، تم تجاوز هذه العقبة عبر مؤتمر العقير، بمبادرة من بريطانيا وحضور الملك عبد العزيز والسير برسي كوكس، مما أدى إلى ترسيم رسمي للحدود بين نجد والكويت والعراق.

استقرار سياسي

أثمر هذا التفاهم عن استقرار سياسي نسبي في المناطق المتنازع عليها، وعودة العلاقات بين نجد وجيرانها إلى مسارها الطبيعي، تحكمها روابط الجوار والتاريخ والمصالح الاقتصادية والاجتماعية المشتركة.

ساهم الشيخ خزعل في تهيئة مناخ الحوار، والتمهيد لمخرجات مؤتمر العقير، الذي غيّر خارطة الحدود في شمال الجزيرة العربية.

موازنة المصالح

ارتبطت العلاقات السياسية للشيخ خزعل بالمعادلات الإقليمية السائدة في شبه الجزيرة العربية، ولم تكن مستقلة عن التوجهات الكويتية أو السياسات البريطانية في الخليج.

اتّسم موقف الشيخ خزعل تجاه الكيانات السياسية في شبه الجزيرة العربية، وخاصةً إمارة آل رشيد في حائل، بالتبدّل والتأثر بالظروف، حيث كان موقفه مرآةً لموقف الكويت.

وساطات إقليمية

تدخل الشيخ خزعل لحل الخلاف بين الشيخ مبارك الصباح وأمير حائل عبد العزيز بن متعب آل رشيد، ونجح في احتواء التوتر بين الطرفين.

حاول الشيخ خزعل لعب دور الوسيط في الخلاف بين نجد وحائل، لكن مساعيه لم تثمر هذه المرة لرفض الملك عبد العزيز لمضمون الوساطة.

معركة روضة مهنا

شكلت معركة روضة مهنا عام 1906، نقطة تحول حاسمة في المشهد السياسي في الجزيرة العربية، حيث بدأت كفة الملك عبد العزيز ترجح، مما عزز من احتمالية توسع الملك عبد العزيز شمالًا باتجاه حائل.

أثار هذا التحول قلق الكويت وبريطانيا، حيث خشيتا من أن يؤدي توسع النفوذ السعودي إلى تقليص نفوذهما في شمال الخليج.

الحماية البريطانية

بادر الشيخ مبارك الصباح بعرض فكرة على بريطانيا، تمثّلت في أن تتولى الأخيرة حماية متعب بن عبد العزيز آل رشيد، بهدف إيقاف زحف الملك عبد العزيز نحو الشمال، وتأمين الحدود الكويتية من أي تهديد محتمل.

لم تكن علاقة الشيخ خزعل بالملك عبد العزيز علاقة عداء، لكنها لم تُبنَ على التحالف المستمر، بل كانت خاضعة لمتطلبات الواقع السياسي، وقائمة على مصالح متبادلة ومحدودة.

دعم الكويت

اتضحت سياسة الشيخ خزعل بالانحياز للكويت، وامتد دعمه لها إلى الجوانب السياسية والعسكرية، فجميع وساطاته وتحركاته الدبلوماسية كانت تصب في حماية المصالح الكويتية وتثبيت موقعها الإقليمي.

اقرأ أيضا

اخترنا لك