السبت 13 سبتمبر 2025
spot_img

لبنان: تعيين الهيئات الناظمة خطوة إصلاحية طال انتظارها

spot_img

لبنان يعيد إحياء الهيئات الناظمة لقطاعات الكهرباء والاتصالات بعد تجميد دام عقدين، في خطوة إصلاحية تهدف إلى الوفاء بالتزامات الدولة تجاه المجتمع الدولي وتفعيل الرقابة على القطاعات الحيوية. هذا القرار يأتي كشرط أساسي لمد لبنان بالمساعدات والتمويل من قبل المانحين الدوليين.

تفعيل عمل الهيئات

بدأت الحكومة اللبنانية بتطبيق قرار تشكيل الهيئات الناظمة للقطاعات الأساسية، وهو ما ورد في بيانها الوزاري. هذه الخطوة تتماشى مع مطالب المانحين الدوليين، الذين يشترطون تفعيل أجهزة الرقابة لتقديم الدعم المالي للبنان.

وفي تموز الماضي، تم تعيين رئيس وأعضاء الهيئة الناظمة لزراعة القنب الهندي للاستخدام الطبي والصناعي، بالإضافة إلى رئيس وأعضاء الهيئة العامة للطيران المدني، مما يعكس توجهًا نحو تنظيم مختلف القطاعات.

الهيئات والخصخصة

يرى النائب السابق غسان مخيبر أن وظيفة الهيئات الناظمة تندرج في إطار عمليات خصخصة القطاعات الحيوية، مثل الكهرباء والاتصالات. القوانين المنظمة لهذه القطاعات تنص على إنشاء هيئات ناظمة للإشراف على المؤسسات بعد خصخصتها كليًا أو جزئيًا.

ويهدف ذلك إلى فتح المجال أمام شركات خاصة جديدة لتأمين الخدمات المرتبطة بالإنتاج والتوزيع والنقل، مما يعزز المنافسة ويحسن جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

أسباب التأخير السياسي

يشير مخيبر إلى أن التأخير في تفعيل الهيئات الناظمة كان لأسباب سياسية، حيث اعتبر بعض وزراء الطاقة والمياه والاتصالات أن هذه الهيئات تنافس صلاحياتهم. وقد حاول البعض تبرير التأخير باعتبارات دستورية، بينما سعت قوى سياسية أخرى لتعديل القوانين.

ويؤكد أن القرار الحكومي الأخير حسم هذه المعوقات، وفتح الباب أمام إلغاء حصرية الدولة في الإدارة، وإدخال القطاع الخاص في عملية تنظيمية تشرف عليها الهيئات.

توصيات دولية للإصلاح

تنسجم هذه الخطوة مع مطالب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ودول عدة ربطت مساعداتها للبنان بإصلاح قطاعَي الكهرباء والاتصالات. هذان القطاعان كبّدا الدولة خسائر هائلة وأدّيا إلى فجوة مالية كبيرة.

وتدعو التوصيات الدولية إلى إعادة النظر في هيكلة جميع الخدمات والمؤسسات العامة والشركات المختلطة المملوكة من الدولة، في إطار إصلاح شامل لمؤسسات الدولة.

أبعاد الدور التقني والمالي

يشدد مخيبر على أن الهيئات الناظمة تتولى جوانب مالية وقانونية وإدارية، بالإضافة إلى الدور التقني، بهدف ضمان المنافسة السليمة بعد الخصخصة. وتهدف إلى منع تحول الخدمات إلى عبء على المواطن بأسعار مرتفعة أو نوعية متردية.

ويضيف أن الدور الذي تلعبه هذه الهيئات مهم لتحرير القطاعات من التدخل السياسي، لكن التحدي يكمن في أن قرارات التعيين غالبًا ما تدخل في المحاصصة الطائفية والسياسية.

الشفافية ومنع الاحتكار

يؤكد الخبير في شؤون الطاقة الدكتور محمد بصبوص، على أهمية الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، مشيرا إلى أن القانون يمنحها الصلاحية الكاملة في كل ما يتعلق بالقطاع. هذا يشمل دراسة المشاريع وإصدار الرخص وتحديد الأسعار وتنظيم العلاقة مع الخزينة والقطاعين العام والخاص.

ويضيف أن هذا يرفع عبء القرار عن الوزير ويتيح إجراء دراسات شاملة وموضوعية لأي مشروع إنتاج كهرباء، ما يمنع التلزيم المباشر دون مناقصات أو أي رقابة.

تفعيل عمل الهيئة الناظمة

ويشدد بصبوص على أن الهيئة الناظمة هي التي تمنح رخص الإنتاج وتضع إطار التسعير، وليس للوزير أو لمؤسسة كهرباء لبنان أي دور في ذلك. هذا يضمن الشفافية ويمنع تكرار التجارب السابقة التي اتسمت بغياب المنافسة وبالتلزيمات الاعتباطية.

ويضيف أن المطلوب اليوم هو تفعيل عمل الهيئة الناظمة، ليس فقط من الناحية القانونية، بل من الناحية العملية أيضًا، عبر معالجة ملفات الإنتاج والتوزيع وإدخال القطاع الخاص ضمن شراكات مدروسة مع الدولة.

نقلة نوعية للإصلاح

يختتم بصبوص بالتأكيد على أن تفعيل الهيئة الناظمة يمثل نقلة نوعية نحو إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان، حيث يوفر آلية شفافة للتلزيمات ويعيد التوازن للعلاقة بين الدولة والقطاع الخاص ويمنع الاحتكار ويعطي المستثمرين الثقة.

اقرأ أيضا

اخترنا لك