باريس تشهد أزمة سياسية واقتصادية متصاعدة، مع فشل رئيس الحكومة الفرنسية فرنسوا بايرو في الحصول على ثقة البرلمان، وسط مخاوف من تفاقم المديونية وتأثيرها على سيادة البلاد وقيمها.
أرقام مقلقة للاقتصاد
بلغت ديون فرنسا مستويات قياسية، حيث وصلت إلى 3415 مليار يورو، ما يعني فوائد سنوية تتجاوز 67 مليار يورو وقد تصل إلى 107 مليارات مع نهاية العقد الحالي. يرى مراقبون أن 60% من هذه الديون مستحقة لدائنين أجانب، مما يهدد الاستقلال الاقتصادي للبلاد.
رئيس الحكومة الفرنسية السابق حذر من خطورة الوضع، معتبراً الخضوع للدين بمثابة “الإخضاع بقوة السلاح”، منتقداً المعارضة لعدم دعمها خطته الاقتصادية. بايرو أكد أن القضية تتجاوز الخلافات السياسية الحزبية، معتبراً إياها “موضوعًا تاريخيًا يهم مصير الشعوب والأمم والأجيال القادمة”.
حكومة في مهب الريح
يعد بايرو أول رئيس حكومة في الجمهورية الخامسة يرفض البرلمان منحه الثقة، ويعزى ذلك إلى قرار الرئيس إيمانيول ماكرون بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة. تلك الانتخابات أسفرت عن برلمان منقسم، مما أضعف فرص أي حكومة مدعومة من “الكتلة المركزية” في الاستمرار.
تواجه فرنسا صعوبة في إيجاد شخصية قادرة على تشكيل حكومة مستقرة تحظى بدعم برلماني واسع، في ظل التحديات السياسية والاقتصادية الراهنة. ويزيد من تعقيد المشهد السياسي تزايد الاحتجاجات الشعبية، التي تنذر بموجة من الإضرابات والمظاهرات.
احتقان شعبي متزايد
تشهد فرنسا تعبئة احتجاجية شعبية متصاعدة، حيث دعت مجموعات مدنية ونقابات إلى “شل البلاد” احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. تتخوف السلطات من تكرار سيناريو “السترات الصفراء”، الذي شهد أعمال عنف واضطرابات واسعة النطاق.
تتزامن الأزمة السياسية مع حراك اجتماعي متزايد، مما يزيد الضغوط على الرئيس ماكرون وحكومته. يرى مراقبون أن هذه التحديات قد تؤثر سلبًا على ما تبقى من ولاية ماكرون، وتضعف دوره على المستويين الأوروبي والدولي.
خيارات الرئيس المحدودة
تنتهي ولاية ماكرون الثانية في ربيع 2027، وتواجهه تحديات داخلية وخارجية كبيرة، بما في ذلك أزمة المديونية وتداعياتها السياسية والاجتماعية. يسعى الرئيس الفرنسي إلى الحفاظ على دور مؤثر في قضايا دولية مثل الحرب في أوكرانيا والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
يعتبر محللون أن مصلحة ماكرون وبلاده تكمن في الخروج السريع من الأزمة السياسية الحالية، من خلال تشكيل حكومة جديدة تحظى بدعم واسع من “الكتلة المركزية”. لكن تحقيق ذلك يواجه صعوبات جمة، بسبب التباينات السياسية بين الأحزاب المكونة لهذه الكتلة.
سيناريوهات محتملة
أحد الحلول المطروحة هو حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة، إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن اليمين المتطرف قد يكون الفائز الأكبر في هذه الانتخابات. من جهة أخرى، يطالب حزب “فرنسا الأبية” باستقالة ماكرون وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
تتداول أسماء عدة لخلافة بايرو في رئاسة الحكومة، من بينها وزراء حاليون وشخصيات سياسية بارزة. لكن ماكرون يواجه معضلة في اختيار شخصية قادرة على تحقيق الاستقرار السياسي وتنفيذ سياسات اقتصادية مقبولة من مختلف الأطراف.