أثارت التصريحات الحكومية حول حجم الاستثمارات الأجنبية في سوريا جدلاً واسعاً بين الخبراء والمهتمين، الذين وضعوا هذه الأرقام موضع تساؤل في ظل واقع البلاد غير المستقر.
جدل الاستثمارات الأجنبية
تتعلق النقاشات بالأرقام المعلنة للاستثمارات العربية والأجنبية في سوريا، ومدى توافقها مع واقع يعاني من خلل سياسي واقتصادي وأمني. كما تشير تسريبات إلى وجود شركات وهمية وأخرى مفلسة، مما يثير الشكوك حول مصداقية هذه الأرقام.
بينما يطرح بعض المحللين تفاؤلهم حول إمكانية دخول الاستثمارات الأجنبية في مرحلة إعادة الإعمار بفضل الدعم العربي والدولي للنظام، يعتبر آخرون أن الأرقام المعلنة لا تعكس سوى وعود سياسية لم يتم تفعيلها بعد.
تقييم المسار الاستثماري
تشير الآراء المنقسمة حول الاستثمارات إلى رغبة الحكومة في العمل الجاد، بينما يرى البعض أن الأرقام لا تعكس سوى فراغ سياسي قائم. يعتقد العديد من الخبراء أن الأرقام تمثل نوايا غير مؤكدة ولا تدل على تقدم فعلي في الظروف الراهنة.
المحلل الاقتصادي السوري حسن ديب أشار إلى أن بعض الاستثمارات، خاصة القطرية والسعودية، بدأت بالفعل، في حين أن مشاريع أخرى تواجه عوائق قانونية وإدارية تعرقل تقدمها. ويظل تدفق الاستثمارات مرتبطاً بالحلول الداخلية للأزمات القائمة.
الأرصدة المجمدة
في هذا السياق، أكد حاكم مصرف سورية المركزي عبد القادر الحصرية على سعي المصرف لتحرير الأرصدة المجمدة ومراجعة الحسابات الخارجية. كما أشار إلى تطوير أنظمة دفع وطنية تمهيداً للانفتاح على القطاع الخاص.
الخبير زياد البني لفت إلى أن الأموال السورية ما زالت مجمدة في البنوك الدولية بسبب العقوبات، مشيراً إلى أن قيمة الأرصدة المجمدة بسويسرا وحدها تبلغ 112 مليون دولار، بينما تصل في المملكة المتحدة إلى 205 مليون دولار.
استثمارات مشكوك فيها
وعلى الرغم من بعض الاستثمارات الجادة، يقول البني إن العديد من الخطط لا تزال مجرد وعود، مشدداً على ضرورة تقييم الأوضاع بشكل دقيق. كما أشار إلى وجود شركات غير موجودة بالفعل، مثل شركة “اوباكو” الإيطالية، مما يثير الشكوك حول الشفافية الحكومية.
وأوضح أن بعض المشاريع مثل استثمار مؤسسة البنك الدولي في تحسين قطاع الكهرباء لا تحظى بالاهتمام الإعلامي الكافي رغم أهميتها. بينما كان مشروع معمل الأسمنت الذي أعلنه وزير الاستثمار السعودي يعتبر من المشاريع القليلة التي شهدت تقدماً حقيقياً.
إصلاحات القطاع العام
من جهته، يطالب المحلل أيمن الدبس بالتوجه نحو إصلاحات ضرورية لتعزيز القطاعين العام والخاص، مع التركيز على مشروعات الخصخصة والتعاون بينهما. ويشير إلى أن ضعف تطور القطاع الخاص يعود إلى الأوضاع الأمنية والسياسية غير المستقرة.
الدبس يعتبر أن نجاح جذب الاستثمارات العربية والأجنبية يعتمد على هيكلة مناسبة للقطاعات الاقتصادية، وتوفير بيئة استثمارية تشجع على دخول المستثمرين. كما أن وجود استراتيجيات واضحة لتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص قد يسهم في إنجاح مشروعات إعادة الإعمار.
استعادة ثقة المستثمرين
يجب على الحكومة أن تعمل بجد لتوفير بيئة استثمارية آمنة ومربحة فيما يتصل بجذب الاستثمارات الخارجية، واجتياز العقبات القانونية والإدارية التي تعرقل النشاط الاستثماري. فنجاح هذه الاستثمارات لا يعتمد فقط على الوعود بل على وضع خطط فعالة ومدروسة لتفعيلها على الأرض.
بشكل عام، يتطلب الوضع الاقتصادي الحالي اتخاذ خطوات جادة وفعالة لإعادة بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين، والتعامل بشفافية مع القضايا الاستثمارية الحالية، لتجعل من سوريا وجهة مغرية للمستثمرين.