واشنطن تسعى لتهدئة مخاوف أوروبا بشأن أوكرانيا
نجح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في طمأنة القادة الأوروبيين، بمن فيهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، خلال مؤتمر عبر الفيديو استمر ساعة كاملة، مقدمًا وعودًا كانوا ينتظرونها.
تعهدات ترامب للقادة الأوروبيين
أفادت مصادر أوروبية في باريس أن القادة حصلوا على ثلاثة تعهدات رئيسية من ترامب، تتعلق بوقف إطلاق النار والقمة الثلاثية والضمانات الأمنية.
التعهد الأول هو التزام ترامب بأن يطلب من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، خلال قمتهما المرتقبة في ألاسكا يوم الجمعة، وقفًا لإطلاق النار في أوكرانيا.
سبق لترامب أن قدم اقتراحًا مماثلًا قبل أشهر، لكنه لم يتحقق بسبب شروط بوتين. وتعتبر كييف وحلفاؤها الأوروبيون أن وقف النار سيؤدي إلى تجميد خطوط القتال.
التعهد الثاني يتضمن استعداد ترامب للدعوة إلى قمة ثلاثية بحضور زيلينسكي، ما يحقق مطلب كييف والعواصم الأوروبية بأن يقرر الأوكرانيون مصيرهم وأراضيهم.
استعداد أمريكي لضمان الأمن
التعهد الثالث هو إعراب ترامب، للمرة الأولى، عن استعداده للانضمام إلى الجهود الأوروبية لضمان أمن الأوكرانيين، وفق شروط قيد المناقشة.
منذ أن طرحت الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا وبريطانيا، ملف “الضمانات الأمنية” استجابة لطلب كييف، رفضت إدارة ترامب الالتزام بأي شيء.
يرى محللون أن تغيير موقف واشنطن ينبع من اعتبارها أن الالتزام بضمانات أمنية لم تتضح طبيعتها بعد، قد يؤدي إلى “تمرير” صفقة “تبادل الأراضي” التي يقترحها ترامب.
ربطت عدة دول أوروبية، مثل بولندا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا، مساهمتها في قوة أوروبية تنتشر في أوكرانيا، بتوفر “الغطاء الأميركي” لردع روسيا.
مواقف ترامب المتغيرة
الإيجابية التي يراها الطرف الأوروبي تبقى نظرية، وتكمن إشكاليتها في أن ترامب “لا يجد صعوبة في تغيير مواقفه من النقيض إلى النقيض”.
أشار ترامب، في مؤتمر صحفي، إلى أن هناك “فرصة جيدة للغاية” للدعوة إلى قمة ثلاثية إذا كانت نتائج قمته الثنائية مع بوتين “واعدة”.
كشف ترامب أن هناك ثلاثة مواقع محتملة لاستضافة القمة الثلاثية، لكنه حذر بوتين من “عواقب وخيمة” إذا لم يوقف الحرب في أوكرانيا.
سبق لترامب أن أعلن أنه قد يتخلى عن الوساطة، وسيترك الأوكرانيين والروس لتدبير شؤونهم، ما يظهر أنه “لا يملك خطة واضحة”.
مخاوف من مناورات بوتين
برز تخوف إضافي لدى الأوروبيين، بعد تصريح مساعد الرئيس الروسي بأن قمة ترامب وبوتين ستبدأ بلقاء ثنائي بين الرئيسين فقط.
القمة ستُعقد في قاعدة أميركية في مدينة أنكورانج، وتنتهي بمؤتمر صحفي مشترك. ويتخوف الأوروبيون من “مناورات” بوتين و”التلاعب” بترامب.
يخشى الأوروبيون من قدرة بوتين على إقناع ترامب بوجهة نظره ومطالبه، أو الإيحاء بقبوله وقفًا لإطلاق النار بشروط يرفضها الأوكرانيون.
يرافق بوتين وفد رفيع المستوى يضم وزراء الخارجية والدفاع والمالية، ومبعوثه الخاص لشؤون الاستثمار والتعاون الاقتصادي.
يتخوف الأوروبيون من حاجة ترامب لتحقيق “إنجاز” سريع في الملف الأوكراني، ما قد يجعله “فريسة سهلة” لبوتين.
اعترف ترامب علانية بأن بوتين قد يتلاعب به، بعد اتصالات هاتفية اعتبرها إيجابية، لكن لم يتبعها أي تحرك ميداني.
ثناء بوتين على جهود واشنطن
أثنى بوتين على ترامب خلال اجتماع روسي للتحضير للقمة، قائلاً إن الإدارة الأميركية تبذل جهودًا حثيثة لإنهاء الأعمال العدائية والتوصل إلى اتفاقات ترضي جميع الأطراف.
ترى مصادر دبلوماسية غربية أن بوتين هو المستفيد الرئيسي من القمة، التي تخرجه من عزلته الدبلوماسية وتجعله مجددًا نظيرًا لرئيس أكبر قوة غربية.
تنعقد القمة في وقت تتقدم فيه القوات الروسية في منطقة الدونباس. ويربط خبراء غربيون بين التقدم الميداني السريع وتوقيت القمة.
غموض تبادل الأراضي
اقترح بوتين تجميد الأعمال العدائية على طول خط الجبهة الحالي، مقابل انسحاب أوكرانيا من أراضٍ في دونيتسك ولوغانسك.
في المقابل، من المرجح أن يقترح بوتين سحب قواته من أراضٍ في مقاطعات سومي ودنيبروبتروفسك وخاركيف، وتجميد خطوط القتال في زابوريجيا وخيرسون.
قبول توافق ترامب وبوتين على وقف لإطلاق النار وفق شروط موسكو سيكون على حساب أوكرانيا.
موقف أوروبا الحرج
يجد الأوروبيون أنفسهم في موقف حرج، إذ يؤكدون استعدادهم لمواصلة دعم كييف، مع التمسك بسيادتها وسلامة أراضيها.
يشدد الأوروبيون على أن أمن أوروبا مرتبط بأمن أوكرانيا، وأنها “خط الدفاع الأول” بوجه المطامع الروسية.
يعي الأوروبيون أن ميزان القوى لا يميل لصالح أوكرانيا، وأن خروج الولايات المتحدة من المعادلة سيفاقم اختلال الموازين.
تؤكد أوروبا على ضرورة بقاء واشنطن داخل المعادلة، وأن التنازلات المطلوبة من كييف يجب التعويض عنها بضمانات أمنية صلبة، إلى جانب وقف إطلاق النار.