الأحد 27 يوليو 2025
spot_img

ما تخفيه سلطنة الذهب والحرير

الوجه الخفي لأغنى دولة في العالم: سلطنة بروناي.. بين مليارات النفط وأسرار السلاطين وغسيل الأموال

spot_img

في قلب جزيرة بورنيو، تتربع “بروناي” كواحدة من أغنى دول العالم وأكثرها غموضًا؛ دولة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها نصف مليون نسمة، لكنها تمتلك واحدة من أكبر احتياطيات النفط والغاز في آسيا، وثروة سيادية تقدر بمليارات الدولارات، وواحدًا من أفخم القصور الملكية على وجه الأرض.

بروناي.. سلطنة الأحلام

سلطنة بروناي التي ينبهر الجميع بثرائها، تبدو كنموذج مثالي للدولة التي يمكن العيش فيها: لا ضرائب، خدمات مجانية، قوانين محافظة، وملكية مطلقة تُمارس سلطاتها دون مساءلة؛ بروناي تُقدَّم للعالم كنموذج للدولة الهادئة المستقرة ذات القوانين المحافظة، لكن الواقع يخفي تركيبة شديدة التعقيد: اقتصاد ريعي هشّ، حكم فردي صارم، وملفّات مالية لا تخضع لأي رقابة مستقلة.

خلف الصورة المثالية لسلطنة بروناي، تبرز تساؤلات خطيرة:كيف تراكمت الثروات الهائلة في بلد لا يملك اقتصادًا متنوعًا؟ ولماذا تُذكر بروناي مرارًا في تقارير عن غسيل الأموال والملاذات المالية السرية؟ وما حقيقة العلاقة بين القصر والحسابات السرية التي ظهرت في وثائق “باندورا” و”سويس ليكس”؟، هذه التساؤلات وغيرها تجعلنا نغوص في الوجه الآخر لبروناي.

الوجه الرسمي: رفاهية الدولة وحُكم الفرد

بروناي دولة ملكية مطلقة يحكمها السلطان حسن البلقية منذ عام 1967، وهو أحد أثرى حكام العالم وأكثرهم نفوذًا.

تعرف سلطنة بروناي عالميًا بانعدام الضرائب تقريبًا، وبمتوسط دخل فردي يُعد من الأعلى في آسيا.

أما عاصمتها بندر سري بكاوان، فتبدو كمشهد من قصة خيالية: نظافة مبهرة، طرق فسيحة، ومساجد تعلوها القباب الذهبية.

توفر الدولة تعليمًا ورعاية صحية مجانًا، وتمنح المواطنين امتيازات سخية، تشمل منحًا مدفوعة للدراسة والسفر، في صورة مثالية للرفاهية المدعومة من ثراء بالنفط.

لكن هذه الصورة الإيجابية كثيرًا ما تُستخدم لتغطية هيمنة السلطة المطلقة للسلطان وعائلته، وسط غياب كامل لأي رقابة برلمانية أو صحافة حرة.

أسطورة الثروة: من النفط إلى الامتيازات الخاصة

بدأت ثروة بروناي تتراكم بشكل هائل منذ اكتشاف النفط في عشرينيات القرن العشرين، وتضاعفت الأرباح بشكل خاص في السبعينيات والثمانينيات بعد ارتفاع أسعار النفط عالميًا.

ذكرت تقارير تقارير مجلة «فوربس» في التسعينيات، أن السلطان حسن البلقية جمع ثروة قدرت بأكثر من 20 مليار دولار، في حين تحدثت أخرى عن 40 مليار دولار، وهو ما جعله آنذاك أغنى رجل في العالم.

لكن هذه الثروة، وفق تقارير استقصائية، لا تُدار من خلال موازنات حكومية شفافة، بل عبر شبكة من الحسابات الخاصة والاستثمارات التي يصعب تتبعها، تحت إشراف شخصي من العائلة المالكة.

الوجه الآخر: اتهامات بالفساد وتبديد المال العام

في عام 2000، فجّر شقيق السلطان، الأمير جعفري البلقية، واحدة من أكثر الفضائح المالية إثارة للجدل في آسيا -إن لم يكن في العالم-.

وُجهت للأمير جعفري البلقية، تهم باختلاس ما يقارب 15 مليار دولار من أموال الدولة خلال فترة توليه إدارة هيئة الاستثمار، وضمت القضية ممتلكات فاخرة، ويخوت، ولوحات نادرة، بل وحتى «أسطولًا من النساء» كما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية.

وتمت تسوية القضية داخل القصر الملكي دون محاكمات علنية، وأُعيد جزء من الأموال للدولة، لكن كثيرًا من تفاصيلها بقي طي الكتمان.

وفق وثائق «ويكيليكس»، أعرب دبلوماسيون أمريكيون عن قلقهم من أن «الفساد متجذر في أعلى هرم السلطة في بروناي».

تساؤلات حول التجارة غير المشروعة والأنشطة السرية

بعض التقارير أشارت إلى احتمال استخدام النظام الملكي لشركات وهمية خارج البلاد لإدارة أنشطة استثمارية معقدة، تشمل أحيانًا تجارة غير مشروعة وغسل أموال.

ورغم عدم وجود أدلة قطعية علنية، فإن غياب الشفافية، ورفض التعاون مع هيئات الرقابة الدولية، يثير شكوكًا لدى كثير من المؤسسات.

كما اتهم نشطاء حقوق الإنسان بعض أطراف العائلة المالكة بالضلوع في ممارسات غير قانونية، خاصة في ما يتعلق باستغلال النفوذ واستقدام نساء للعمل في بلاط السلطان تحت غطاء عقود ضبابية.

حرية الإعلام

لا توجد في بروناي صحافة مستقلة، وتخضع وسائل الإعلام المحلية لرقابة صارمة، كما تخضع شبكة الإنترنت لمراقبة هادئة لكن فاعلة، حيث لا يُسمح بنشر انتقادات للحكومة أو كشف ملفات فساد، وتشير تقارير منظمة العفو الدولية إلى وجود حالات اعتقال تعسفي للمنتقدين.

دولة غنية.. لكن بأي ثمن؟

رغم أن سلطنة بروناي تحافظ على صورة خارجية براقة، وتحقق مستوى معيشة مرتفعًا لمواطنيها، فإن سيطرة العائلة المالكة المطلقة، والافتقار إلى الشفافية والمحاسبة، والاتهامات المتكررة بالفساد، تضع علامات استفهام حول مصدر الثروة واستمراريتها.

خاصة أن ما يظهر في الصورة الرسمية لا يعكس بالضرورة الواقع الكامل لدولة قد تكون في ظاهرها جنة بثرواتها النفطية، لكنها في جوهرها تدار كملكية مغلقة لا تخضع إلا لقوانين الأسرة الحاكمة.

اقرأ أيضا

اخترنا لك