بعد 41 عامًا قضاها خلف القضبان، يستعد جورج إبراهيم عبد الله، البالغ من العمر 74 عامًا، للحرية، حيث أعلنت السلطات الفرنسية اليوم الإفراج عنه في أواخر هذا الشهر، ليُسدل الستار على قضيته التي جعلته أقدم سجين سياسي في أوروبا.
من هو جورج عبد الله؟
ولد جورج إبراهيم عبد الله عام 1951 في بلدة القبيات شمال لبنان، لعائلة مارونية متوسطة الحال، كان والده عنصراً في الجيش اللبناني.
شهد عبد الله نكسة 1967 في شبابه، والتي ساهمت في تشكيل وعي جيل كامل تجاه قضايا التحرر والمقاومة، وهو ما دفعه للانخراط مبكراً في العمل السياسي.
في الخامسة عشرة من عمره، انضم جورج عبد الله إلى صفوف الحزب القومي السوري الاجتماعي، وأصبح مناصراً قوياً للقضية الفلسطينية في خضم الحرب الأهلية اللبنانية.
التعليم والعمل السياسي
تميز جورج عبد الله منذ صغره بذكائه وفطنته وحبه للقراءة، ما مكنه من التخرج في دار المعلمين في الأشرفية ببيروت عام 1970، ليبدأ حياته مدرساً في مدرسة بمنطقة أكروم في عكار، حيث بدأ وعيه يتبلور نتيجة الأوضاع المأساوية التي تعاني منها المنطقة.
في عام 1978 انتقل إلى الجنوب اللبناني ليشارك في المعارك ضد الاجتياح الإسرائيلي، وأصيب خلالها، ثم انضم إلى صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش، وكان مقرباً من وديع حداد، مؤسس فكرة الجبهة، ومتأثراً بأفكاره الثورية الماركسية.
تأسيس “الفصائل المسلحة الثورية”
عام 1979، قرر عبد الله الانفصال عن الجبهة الشعبية، ليؤسس تنظيمه الخاص تحت اسم “الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية”، والذي ضم عددًا محدودًا من أشقائه وأقربائه وأصدقائه المقربين، تبنى التنظيم فكراً ماركسياً مناهضاً للإمبريالية.
نُسبت إلى الحركة سلسلة من عمليات الاغتيال، بما في ذلك مقتل تشارلز راي، نائب الملحق العسكري في السفارة الأميركية بفرنسا، ويعقوب بارسيمانتوف، المستشار الثاني في السفارة الإسرائيلية في باريس.
ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن عبد الله كان على صلة بحركات وشخصيات صنفت على أنها “إرهابية”، مثل “العمل المباشر” (فرنسا)، و”الألوية الحمراء” (إيطاليا)، وكارلوس الفنزويلي، وفصيل “الجيش الأحمر” (ألمانيا).
“أنا مقاتل ولست مجرماً”
خلال محاكمته في فرنسا، أطلق جورج عبد الله مقولته الشهيرة: “أنا مقاتل ولست مجرماً”، مؤكداً أن اختياره هذا الطريق كان “رداً على انتهاك حقوق الإنسان في فلسطين”، وأن ما قام به هو “مقاومة”.
ملابسات الاعتقال
قبل اعتقاله، كان جورج عبد الله يقيم في سويسرا، قبل أن يسافر إلى فرنسا لتسليم وديعة شقة مستأجرة، وفي عام 1984، توجه إلى مركز للشرطة في ليون، طالباً الحماية من عناصر “الموساد” الذين زعم أنهم يطاردونه، لكن الشرطة الفرنسية اعتقلته في 24 تشرين الأول 1984 بتهمة حيازة جواز سفر جزائري مزور، وحكم عليه بالسجن 4 سنوات في سجن لانميزان.
رداً على اعتقاله، اختطفت مجموعته المسلحة الدبلوماسي الفرنسي سيدني جيل بيرول في 23 آذار 1985، ووافقت فرنسا على تبادل المعتقلين عبر الجزائر، لكنها لم تفِ بوعدها بإطلاق سراح جورج عبد الله.
محاكمة بالإدانة والسجن المؤبد
عبد الله، الذي كان يحمل جواز سفر جزائريًا، استخدم جوازات سفر من مالطا والمغرب واليمن لدخول يوغوسلافيا وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا وقبرص، لكن السلطات الفرنسية سرعان ما أدركت أن الرجل الذي يجيد اللغة الفرنسية ليس سائحاً، وإنما هو “عبد القادر السعدي”، وهو اسمه الحركي.
في آذار 1987، حُكم على جورج عبد الله بالسجن المؤبد بتهمة “التواطؤ في أعمال إرهابية”، والمشاركة في اغتيال الدبلوماسيين الأميركي والإسرائيلي.
بحسب محاميه ومناصريه، فإن محاكمة عبد الله كانت موجهة من قبل قوى أجنبية، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية، التي عارضت طلبات الإفراج عنه.