شهد الصراع الروسي الأوكراني تصعيدا خطيرا، حيث أطلقت روسيا لأول مرة منذ اندلاع الحرب صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات من طراز “RS-26 Rubezh” باتجاه أوكرانيا، وجاءت هذه الخطوة الروسية كردٍ مباشر على استخدام كييف لصواريخ أمريكية وبريطانية بعيدة المدى لاستهداف العمق الروسي، بموافقة من الرئيس الأمريكي جو بايدن، ومعلوم أن روسيا تمتلك صواريخ متطورة عابرة للقارات.
تفاصيل الهجوم الباليستي
انطلق الصاروخ الباليستي الروسي من منطقة أستراخان جنوب روسيا، مستهدفًا مدينة دنيبرو الأوكرانية، واستغرق أقل من 5 دقائق للوصول إلى هدفه.
ويُعد صاروخ “RS-26 Rubezh” أحد الأنظمة الأكثر تطورًا في الترسانة الروسية، حيث يتميز بقدرته على:
– الصاروخ يحمل 6 رؤوس حربية مستقلة، ويمكن لهذه الرؤس الانقسام ونشر ذخائر صغيرة متعددة.
– يمكن تجهيز الرؤوس الحربية بزخيرة تقليدية أو نووية، مما يعزز قدرته على تنفيذ ضربات دقيقة وعالية التأثير.
– يقدر وزن الصاروخ فيما بين 40 إلى 50 طن، ويصل مداه إلى أكثر من 9,000 كيلومتر، مما يضع أهدافًا داخل أوكرانيا وأوروبا في مرمى الهجوم.
تأثير وسبب الهجوم
أعلنت القوات المسلحة الأوكرانية أنها أسقطت ستة صواريخ كروز روسية استهدفت مواقع داخل البلاد، غير أن الصور والمعلومات الاستخباراتية المتوفرة تشير إلى عدم دقة هذه الادعاءات، ما يزيد من الغموض حول قدرتها الدفاعية أمام هذا النوع من التهديدات الروسية.
في المقابل، أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى على العمق الروسي يظهر أن الغرب يتخلى عن كييف كحليف استراتيجي.
وأشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن استخدام أوكرانيا للأسلحة الغربية لا يتم دون دعم مباشر من خبراء عسكريين غربيين، وأضاف أن هذا التحرك يغير طبيعة النزاع بشكل جذري، ويجعله في مواجهة مباشرة مع دول الناتو.
تغيير قواعد اللعبة
من خلال الكشف عن هذا الصاروخ الروسي المتطور، تعيد روسيا رسم حدود الصراع، موضحة قدرتها على استهداف أي موقع داخل أوكرانيا أو حتى في أوروبا، ومن خلال هذا التصعيد يبدو أن موسكو تسعى لإجبار الغرب على مراجعة دعمه العسكري لكييف، خاصة فيما يتعلق بالصواريخ بعيدة المدى.
بوتن يتهم أمريكا ويكشف عن صاروخ “أوريشنيك” الجديد
هذا وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتن –اليوم– أن الصراع في أوكرانيا قد اتخذ أبعادًا عالمية، موضحا أن القوات الأوكرانية استخدمت صواريخ غربية طويلة المدى في الهجوم على المنشآت العسكرية الروسية في مقاطعتي بريانسك وكورسك، مؤكدًا أنه من المستحيل تشغيل هذه الصواريخ بعيدة المدى دون وجود متخصصين من الدول التي قامت بتصنيعها، وهو أمر لا يمكن إنكاره.
وأضاف الرئيس الروسي أن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن تدمير نظام الأمن الدولي، وليست روسيا، متهمًا واشنطن بدفع العالم نحو صراع شامل، وحذر قائلاً: “إذا استمرت الأعمال العدوانية، فإن روسيا سترد بحزم وبطريقة مماثلة.. وأدعو القادة في الدول التي تخطط لاستخدام قواتها ضد روسيا إلى التفكير بجدية في عواقب مثل هذه الخطوات”.
وفي إطار استعراض القوة، كشف بوتين عن نجاح الجيش الروسي في اختبار نظام صاروخي جديد متوسط المدى يحمل اسم “أوريشنيك”، لافتا إلى أن هذا الصاروخ الجديد لا يمكن التصدي لها بوسائل الدفاع الأمريكية أو الأوروبية الحالية.
ويتمتع صاروك أوريشنيك الجديد الذي كشف عنه بوتن بقدرات فائقة، منها السرعة عالية حيث يهاجم أهدافه بسرعة تتراوح بين 2-3 كيلومترات في الثانية، مما يجعل اعتراضه مستحيلًا بأنظمة الدفاع الحالية، كما أنه قادر على استهداف المنشآت الاستراتيجية بدقة عالية.
تحديث العقيدة النووية الروسية
في سياق التصعيد، وقع الرئيس بوتين على مرسوم يحدّث العقيدة النووية الروسية، والتي تنص على ما يلي:
– حق استخدام الأسلحة النووية ردًا على أي هجوم بأسلحة دمار شامل ضد روسيا أو حلفائها.
– اعتبار أي اعتداء على روسيا أو حلفائها من قبل دولة غير نووية بدعم من دولة نووية بمثابة هجوم مشترك.
ما وراء الصراع الروسي الأوكراني
يبدو أن روسيا تسعى من خلال هذا التصعيد لإرسال عدة رسائل، منها:
– استعراض القوة والتأكيد على قدرتها العسكرية الفائقة، خاصة أمام دول الناتو.
– الردع الاستراتيجي بالتحذير من أي تدخل عسكري أعمق في الصراع من قبل الغرب.
– الضغط على أوكرانيا ودفعها نحو قبول تسوية دبلوماسية بدلاً من استمرار الحرب.
دعوة للتهدئة
من جهة أخرى، دعا ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، الغرب وأوكرانيا إلى التخلي عن الاستفزازات واتخاذ مواقف مسؤولة لمنع اندلاع مواجهة نووية، جاء ذلك ردًا على تصريحات أمريكية تفترض إمكانية تبادل الضربات النووية إذا اقتضت الضرورة.
وحذر المحلل العسكري دانيال ديفيس في مقال بمجلة “ناشونال إنتريست” من أن تزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى لن يغير ميزان القوى في الميدان. وأشار إلى أن هذا الدعم قد يؤدي إلى تصعيد خطير يزيد من خطر الانجرار إلى صراع أوسع.
التحول في خطاب زيلينسكي
في مقابل هذا التصعيد، لجأ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى لغة أكثر هدوءًا، مشيرًا إلى أن استعادة شبه جزيرة القرم يجب أن تتم عبر المسارات الدبلوماسية، وفي مقابلة مع “فوكس نيوز” أكد زيلينسكي أن أوكرانيا لا تستطيع تحمل خسائر بشرية هائلة لتحقيق هذا الهدف بالطرق العسكرية.
ويشكل القرار الأمريكي بالسماح باستخدام صواريخ بعيدة المدى ضد العمق الروسي تصعيدًا خطيرًا قد يُدخل العالم في مرحلة جديدة من التوتر، حيث وصف البعض هذا القرار بأنه “القنبلة النووية الثالثة” التي تلقى على كييف، بعد هيروشيما وناغازاكي، ما يزيد من درجة الخطورة في أوروبا ويدفع الصراع إلى أبعاد أكثر تعقيدًا.
ويعد الإطلاق الروسي لصاروخ “RS-26” نقلة نوعية في الحرب، حيث يزيد من تعقيد الحسابات العسكرية والسياسية.
وفي ظل تصاعد هذه التوترات، بات العالم يترقب ما ستؤول إليه الأمور، وهل ستقود هذه الخطوة إلى مفاوضات سلام أو تصعيد شامل قد يغير معادلات الأمن الدولي.