تُعد مدينة الفسطاط من أهم المدن التاريخية في مصر، حيث كانت أول عاصمة إسلامية للبلاد بعد الفتح الإسلامي، وتأسست على يد عمرو بن العاص في القرن السابع الميلادي لتكون قاعدة للحكم الإسلامي.
وإلى جانب تاريخها الغني، تحتضن مدينة الفسطاط مجمع الأديان، وهو منطقة فريدة تجمع بين المعالم الإسلامية والمسيحية واليهودية، ما يعكس التنوع الثقافي والديني في مصر عبر العصور، وتعرف حاليًا باسم “حي مصر القديمة”، وهو من أعرق الأحياء بالقاهرة الكبرى.
تاريخ مدينة الفسطاط
تأسست الفسطاط عام 641 ميلاديًا -الموافق 21 هجريا- على يد القائد العربي عمرو بن العاص بعد فتح مصر، اختار عمرو هذا الموقع ليتخذ منه عاصمة إدارية وسياسية جديدة لمصر الإسلامية، متخليًا عن الإسكندرية التي كانت العاصمة في الفترة الرومانية والبيزنطية.
وتميزت مدينة الفسطاط بموقعها الاستراتيجي على الضفة الشرقية لنهر النيل، بالقرب من جزيرة الروضة، مما ساعد في تأمينها وجعلها مركزًا تجاريًا حيويًا، وسرعان ما أصبحت مدينة مزدهرة تضم مجموعة من الأسواق والمساجد والحمامات العامة.
مجمع الأديان
يُعتبر مجمع الأديان في الفسطاط منطقة فريدة من نوعها، حيث يضم مجموعة من المعالم الدينية التي تمثل الأديان السماوية الثلاثة: الإسلامية، المسيحية، واليهودية، ويمثل المجمع رمزًا للتعايش والتسامح الديني الذي عرفته مصر عبر التاريخ.
يضم مجمع الأديان جامع عمرو بن العاص الذي يُعد أول جامع بُني في مصر وإفريقيا، حيث تأسس عام 642 ميلاديًا وكان بمثابة مركز ديني وتعليمي للمسلمين في مصر، ورغم التعديلات والترميمات التي شهدها على مر العصور، لا يزال جامع عمرو بن العاص محتظا بهيئته وقائمًا كأحد أبرز المعالم الإسلامية في مصر.
كما أن الكنيسة المعلقة واحدة من أقدم الكنائس في مصر ومن أشهر المعالم المسيحية في مجمع الأديان في القاهرة، بُنيت في أواخر القرن الثالث الميلادي على أنقاض برجين رومانيين من الحصن الروماني “بابليون”، وتتميز الكنيسة بتصميمها الفريد المعلق فوق بوابة الحصن، وهي تُعد رمزًا لتراث الأقباط في مصر.
ومن أقدم المعابد اليهودية في مصر معبد بن عزرا، والذي يقع أيضا داخل مجمع الأديان، يُقال إن هذا الموقع كان المكان الذي وُجد فيه سيدنا موسى وهو رضيع في سلة على النيل، والمعبد هو أحد أهم المواقع التاريخية لليهود في مصر، ويُعد مزارًا ثقافيًا ودينيًا.
مشروع تطوير الفسطاط
شهدت الفسطاط خلال السنوات الأخيرة مجموعة من التطورات التي تهدف إلى الحفاظ على تراثها الغني وتعزيز بنيتها التحتية لخدمة الزوار والسياح، ويُعد مشروع تطوير هذه المنطقة التراثية من أكبر المشاريع التنموية التي تهدف إلى إعادة إحياء المدينة التاريخية وتحويلها إلى منطقة جذب سياحي، إذ يتضمن المشروع ترميم وتجديد المعالم الأثرية، وتطوير المساحات الخضراء وإنشاء المتاحف.
وقد افتُتح حديثًا في الفسطاط متحف الحضارة المصرية، ليعرض تاريخ مصر منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث، ويُعد المتحف إضافة قيمة لمجمع الأديان، حيث يُمكن للزوار استكشاف تاريخ مصر العريق بكل تفاصيله.
الفسطاط.. مركز للثقافي والعلم
لم تقتصر أهمية الفسطاط على كونها واحدة من أهم عواصم مصر السياسية والإدارية فقط، وإنما أيضًا كمركزٍ ثقافي وعلمي ازدهرت فيها العلوم الإسلامية واللغوية، فكانت المدينة موطنًا للعديد من العلماء والفلاسفة الذين ساهموا في نشر العلوم والمعرفة، وأصبحت الفسطاط مكانًا يجذب طلاب العلم من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
إحياء التراث المصري
أجهزة الدولة المختصة في مصر تعمل حاليا على الانتهاء من تنفيذ المخطط الشامل لتطوير منطقة الفسطاط التاريخية، بهدف إحياء التراث المصري عبر العصور المختلفة من الفرعونية إلى القبطية والإسلامية، ويأتي هذا التطوير في إطار الحفاظ على العمارة الإسلامية المميزة للمنطقة، وتحويل مدينة الفسطاط إلى متحف مفتوح يعرض للسائحين من جميع أنحاء العالم تجربة فريدة في قلب القاهرة التاريخية.
يشمل المخطط العمراني ربط مختلف المناطق التاريخية ببعضها عبر عدة مناطق أخرى، من بينها منطقة الأسواق التي ستحتوي على ساحة كبيرة أمام جامع عمرو بن العاص، وستضم أنشطة تجارية تهتم بالحرف التقليدية التي تشتهر بها المنطقة، مثل أعمال الزجاج، السيراميك، الشمع، والغزل والنسيج.
وتتميز منطقة الأسواق بإطلالتها على منطقة الحفريات، وتليها منطقة الوادي التي ستحتضن مسرح الوادي وبحيرة الزهور المصرية، ومن المتوقع أن تحتوي هذه المنطقة على أنشطة احتفالية وترفيهية متنوعة، بما في ذلك إقامة الأفراح والحفلات الخاصة، بالإضافة إلى مسارات مخصصة للرياضة والدراجات، مما يعزز من التجربة السياحية في المنطقة.
كما تشمل خطة التطوير إنشاء منطقة للحدائق التراثية التي تحتفي بالإرث النباتي المصري، مع وجود مطاعم ومقاهي مميزة وساحة للعروض الفنية والموسيقية على ضفاف بحيرة عين الحياة.
