واشنطن تعزز أسطولها بـ”إف-15 إي إكس” بـ3 مليارات دولار
في خطوة تعكس تحولًا استراتيجيًا في أولويات القوات الجوية الأمريكية، خصص البنتاغون 3 مليارات دولار لتوسيع برنامج “إف-15 إي إكس” (F-15EX) Eagle II، ليصل إجمالي الأسطول المخطط له إلى 129 طائرة. هذا الاستثمار الكبير يؤكد على تحديث مقاتلة من الجيل الرابع لتكملة المنصات الأكثر تطوراً.
القرار يشمل إعادة تجهيز الجناح 127 التابع للحرس الوطني الجوي في ميشيغان، واستبدال طائرات “إيه-10 وارثوج” القديمة بـ 21 طائرة “إف-15 إي إكس”. هذا التطور يثير تساؤلات حول اعتماد القوات الجوية على المنصات القديمة، والتوازن بين التكلفة والقدرة والتكنولوجيا المتطورة.
تطور “إف-15 إي إكس”
تعتبر “إف-15 إيغل” حجر الزاوية في القوة الجوية الأمريكية منذ ظهورها في السبعينيات، واكتسبت سمعة هائلة في صراعات مثل عملية عاصفة الصحراء. تطورت الإيغل إلى “إف-15 إي سترايك إيغل” متعددة المهام، القادرة على توجيه ضربات دقيقة ضد الأهداف الأرضية.
تمثل “إف-15 إي إكس”، المصنعة من قبل شركة بوينغ، الفصل الأخير في هذا النسب المرموق، حيث تمزج بين التصميم القوي للمنصة والترقيات الحديثة لتلبية متطلبات القرن الحادي والعشرين. على عكس سابقاتها، تشتمل “إف-15 إي إكس” على تقنيات متقدمة تعزز تنوعها وقدراتها.
يتميز قمرة القيادة بواجهة رقمية حديثة، بما في ذلك شاشات كبيرة الحجم تعمل على تبسيط عمليات الطيار. تسمح هذه الترقيات، المقترنة بمحركات محسنة، لطائرة “إف-15 إي إكس” بحمل حمولات أثقل والعمل بسرعات أعلى من سابقاتها.
قفزة تكنولوجية: مستشعرات وأسلحة
في قلب تحديث “إف-15 إي إكس” توجد مجموعة المستشعرات المتقدمة. تم تجهيز الطائرة برادار Raytheon AN/APG-82(v)1 AESA، الذي يوفر اكتشافًا وتتبعًا فائقًا للأهداف على مدى أطول مقارنة بالرادارات القديمة. يسمح هذا النظام لطائرة “إف-15 إي إكس” بالاشتباك مع أهداف متعددة في وقت واحد، حتى في البيئات المتنازع عليها مع التشويش الإلكتروني الكثيف.
يكمل الرادار نظام التحذير والبقاء السلبي/النشط Eagle (EPAWSS)، وهو جناح حرب إلكترونية متطور مصمم لاكتشاف التهديدات مثل رادار وصواريخ العدو ومواجهتها. يعزز هذا النظام قدرة الطائرة على البقاء ضد أنظمة الدفاع الجوي الحديثة، وهي قدرة حاسمة في الصراعات المحتملة مع خصوم قريبين.
تنفرد “إف-15 إي إكس” بقدرتها على حمل الأسلحة عن العديد من المقاتلات المعاصرة. قادرة على حمل ما يصل إلى 29500 رطل من الذخائر، ويمكن للطائرة نشر مزيج من صواريخ جو-جو، مثل AIM-120D AMRAAM، وذخائر جو-أرض، بما في ذلك JDAMs وقنابل ذات قطر صغير.
لماذا ليست “إف-35” في كل مكان؟
يعكس قرار الاستثمار بكثافة في “إف-15 إي إكس”، بدلاً من توجيه جميع الموارد إلى “إف-35 لايتنينغ 2″، استجابة محسوبة للتحديات المستمرة مع البرنامج الأخير. واجهت “إف-35″، المصممة كمقاتلة شبح من الجيل الخامس، مشكلات مستمرة، بما في ذلك ارتفاع تكاليف الصيانة والأعطال البرمجية.
انتقد نظام المعلومات اللوجستية المستقل (ALIS)، الذي ينتقل الآن إلى شبكة البيانات التشغيلية المتكاملة (ODIN)، بسبب تعقيده وعدم موثوقيته، مما أدى غالبًا إلى إيقاف الطائرات على الأرض لفترات طويلة. دفعت هذه العوامل ميزانية القوات الجوية والاستعداد التشغيلي إلى البحث عن منصات تكميلية توفر الموثوقية والقدرة على تحمل التكاليف.
تعالج “إف-15 إي إكس” هذه المخاوف بتكلفة أقل لكل ساعة طيران مقارنة بـ “إف-35″، وتقدر بحوالي 29000 دولار مقابل 44000 دولار للمقاتلة الشبح. يقلل هيكل الطائرة المثبت وسلسلة التوريد الناضجة من خطر التأخير في الإنتاج، وهي مشكلة مستمرة بالنسبة لـ “إف-35”.
دور في العقيدة العسكرية الجديدة
يجعل تصميم “إف-15 إي إكس” مناسبة تمامًا للعقائد الناشئة للقوات الجوية الأمريكية مثل Agile Combat Employment (ACE) والقدرة الفتاكة الموزعة، التي تعطي الأولوية للمرونة والنشر السريع في البيئات المتنازع عليها. على عكس “إف-35″، التي تتطلب دعمًا لوجستيًا مكثفًا، يمكن أن تعمل “إف-15 إي إكس” من قواعد متقشفة بأقل قدر من البنية التحتية.
في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث تشكل المسافات الشاسعة وخيارات القاعدة المحدودة تحديات، فإن مدى “إف-15 إي إكس” وحمولتها الكبيرة يجعلها مثالية للعمليات الموزعة. تتيح قدرتها على حمل خزانات وقود خارجية وذخائر ثقيلة لها عرض القوة عبر آلاف الأميال، ودعم المهام من حملات التنقل بين الجزر إلى عمليات الاستجابة السريعة.
بالمقارنة مع “إف-35″، تتيح متطلبات الصيانة البسيطة نسبيًا للطائرة الحفاظ على معدلات طلعة جوية عالية في البيئات النائية، وهو عامل حاسم في الصراعات المحتملة مع خصوم مثل الصين.
سياق استراتيجي: استجابة للتهديدات العالمية
تأتي أولوية البنتاغون لـ “إف-15 إي إكس” في وقت يتصاعد فيه التوتر الجيوسياسي، لا سيما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث تسارع التحديث العسكري الصيني. تتحدى طائرة J-20 الصينية، وهي مقاتلة شبح من الجيل الخامس، التفوق الجوي الأمريكي.
يعكس قرار القوات الجوية بتعزيز برنامج “إف-15 إي إكس” أيضًا استراتيجية أوسع لتحديث أسطولها المتقادم من المقاتلات. مع تقليص برنامج “إف-35” إلى 24 طائرة في ميزانية عام 2026، من أصل 48 طائرة مخطط لها، تعمل “إف-15 إي إكس” كجسر فعال من حيث التكلفة للقدرات المستقبلية مثل “إف-47″، التي تلقت 3.5 مليار دولار في نفس الميزانية لعمل النماذج الأولية.
دروس من الماضي، وعين على المستقبل
يوفر سجل “إف-15” القتالي أساسًا قويًا لدور “إف-15 إي إكس” في العمليات المستقبلية. خلال حرب الخليج عام 1991، حققت طائرات “إف-15 سي” نسبة قتل بلغت 34-0 ضد الطائرات العراقية، مما يدل على تفوق جوي لا مثيل له.
في سيناريوهات افتراضية، يمكن لـ “إف-15 إي إكس” أن تقوم بدوريات في مساحات شاسعة من المحيط الهادئ، ومواجهة التوغلات الجوية الصينية أو دعم حلفاء الناتو ضد العدوان الروسي. تسمح لها قدرتها على الاندماج مع الطائرات بدون طيار بتوسيع نطاقها وفعاليتها في العمليات المشتركة.
فجوات وتحديات: نظرة نقدية على البرنامج
على الرغم من نقاط قوتها، يواجه برنامج “إف-15 إي إكس” عقبات كبيرة. سلط مكتب محاسبة الحكومة الضوء مؤخرًا على مشكلات سلسلة التوريد، بما في ذلك التأخيرات الناجمة عن ثقوب حفرت بشكل غير صحيح في جسم الطائرة، مما أدى إلى تباطؤ الإنتاج.
يهدف استثمار 3 مليارات دولار إلى معالجة هذه التحديات، لكن الأسئلة لا تزال قائمة حول فعالية البرنامج من حيث التكلفة، خاصة مع أسطول مخطط له من 129 طائرة. تبلغ تكلفة كل طائرة “إف-15 إي إكس” حوالي 90 مليون دولار، وهو ما يضاهي “إف-35″، مما يثير مخاوف بشأن ما إذا كان من الممكن تخصيص الأموال بشكل أفضل لمنصات التخفي أو التقنيات الناشئة.
يعد الافتقار إلى قدرات التخفي نقطة خلاف أخرى. ضد أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة مثل S-400 الروسية أو HQ-9 الصينية، قد لا يكون اعتماد “إف-15 إي إكس” على الحرب الإلكترونية والأسلحة المواجهة كافياً.
الآثار الجيوسياسية والصناعية
يعزز برنامج “إف-15 إي إكس” مكانة بوينغ في قطاع الدفاع، الذي واجه نكسات مع برامج مثل E-7 Wedgetail. يشير الاستثمار إلى الثقة في قدرة الشركة على تقديم منصة موثوقة، مما قد يفتح الأبواب أمام صفقات التصدير.
تعكس هذه الخطوة أيضًا اتجاهًا أوسع لتحديث منصات الجيل الرابع لتعويض التكاليف المرتفعة لمقاتلات الجيل الخامس والسادس. مع بقاء برنامج “إف-47” على بعد سنوات من النشر التشغيلي، توفر “إف-15 إي إكس” حلاً عمليًا، يوازن بين القدرة والقدرة على تحمل التكاليف.
جسر إلى المستقبل أم حل مؤقت؟
يمثل استثمار البنتاغون بقيمة 3 مليارات دولار في “إف-15 إي إكس” Eagle II لحظة محورية في تطور القوات الجوية، حيث يمزج بين موثوقية منصة مثبتة وتكنولوجيا حديثة لمواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية.
من خلال تجهيز الحرس الوطني الجوي في ميشيغان وتوسيع الأسطول إلى 129 طائرة، تضاعف الولايات المتحدة من مقاتلة متعددة الاستخدامات قادرة على التفوق الجوي والضربات الدقيقة والحرب الشبكية. يضمن دورها في عقائد مثل Agile Combat Employment وقدرتها على مواجهة الخصوم القريبين أهميتها في مشهد استراتيجي سريع التغير.
ومع ذلك، فإن تحديات البرنامج – مشاكل سلسلة التوريد والتكاليف المرتفعة وغياب التخفي – تثير تساؤلات حول جدواه على المدى الطويل. بينما تتنقل القوات الجوية في قيود الميزانية وتستثمر في أنظمة الجيل التالي، تعمل “إف-15 إي إكس” كجسر، لكن نجاحها سيعتمد على قدرة بوينغ على التسليم وقدرة البنتاغون على دمجها في استراتيجية متماسكة.