تشهد العلاقات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا تحولاً كبيراً مع تصعيد الهجمات الأوكرانية التي طالت العمق الروسي، مستفيدةً من طائرات مسيّرة صغيرة من نوع “منظور الشخص الأول” (FPV). هذا النوع من الطائرات، الذي يُعتبر حجر الزاوية في العمليات الجديدة، تمكن من تغيير معادلات الاشتباك بشكل جذري.
وفي هجوم جريء، استهدفت أوكرانيا، يوم الأحد، أربع قواعد جوية روسية عسكرية باستخدام مجموعة من الطائرات المسيّرة، في عملية أُطلق عليها “شبكة العنكبوت”. هذا الهجوم يُشكل واحدة من أكثر العمليات تحدياً منذ بداية النزاع قبل أكثر من ثلاث سنوات، وفق الرواية الأوكرانية.
الهجوم على القواعد الروسية
ذكرت أوكرانيا أنها أصابت أكثر من 40 قاذفة استراتيجية روسية، مما يُشكل نحو ثلث أسطول تلك القاذفات، وتعرضت لأضرار ملحوظة خلال عملية منسقة تم تنفيذها على بُعد آلاف الكيلومترات من خطوط المواجهة.
استهدفت القوات الأوكرانية قواعد مثل “بيلايا” في سيبيريا و”أولينيا” في شبه جزيرة كولا، بالإضافة إلى “دياجيليفو” جنوب شرقي موسكو و”إيفانوفو” شمال شرقي العاصمة الروسية. وفي المقابل، أعلنت موسكو أن الهجوم أدى إلى اشتعال نيران في قواعد بإيركوتسك ومقاطعة مورمانسك، لكن الحرائق تم إخمادها.
التكنولوجيا الحديثة في ساحة المعركة
استغرق التخطيط لهذا الهجوم حوالي عام ونصف. وقد استُخدمت فيه الطائرات المسيّرة FPV التي تُعتبر من أكثر الأنواع شيوعاً في ساحة المعركة الأوكرانية. تمتاز بقدرتها على بث مجال رؤيتها للمشغل في الوقت الفعلي، مما يتيح له التحكم بها كما لو كان على متنها.
رغم التكلفة المنخفضة لهذه الطائرات مقارنةً بالمنصات الجوية الأخرى، فقد أحيت مفهوم الحرب الحديثة بفضل قدرة المناورة والتحكم الدقيق الذي توفره، وفقًا لـ”المجلس الأطلسي”. يمكن استخدامها لاستهداف منشآت معينة، مثل الرادارات والمعدات العسكرية، بكفاءة عالية.
الاستخبارات ودورها في النجاح الأوكراني
يعتبر الخبير البريطاني أوليفر ستيورات أن الاستخبارات كانت العامل الحاسم في نجاح الهجوم الأوكراني. ودعا إلى أهمية المعلومات الجغرافية المستندة إلى الأقمار الاصطناعية، فضلاً عن النشاط الاستخباراتي داخل روسيا نفسها.
يصف ستيورات الهجوم بأنه “ضربة استراتيجية”، حيث تم استخدام الطائرات المسيّرة الصغيرة التي قد يصعب الدفاع ضدها بالطرق التقليدية. ويرى أن النجاح الأوكراني يعكس نهجًا متطورًا للحرب غير المتكافئة، والتي حوّلت العمق الروسي إلى هدف ضعيف.
التساؤلات حول الدفاعات الروسية
تطرح الضربة الأوكرانية تساؤلات حول فعالية الدفاعات الروسية، التي لم تكن كافية لحماية بعض المواقع العسكرية الحيوية. وتوضح إيرينا تسوكرمان أن النظام الدفاعي الروسي ليس بتلك القوة التي يتم تصويرها، بل يتكون من أنظمة قديمة ومهملة.
تُركّز روسيا أفضل دفاعاتها حول مدينتي موسكو ومراكز القيادة الرئيسية، ما يجعل القواعد الأقل أهمية أهدافاً سهلة للهجمات. وذات مرة، أثبتت أنظمة الدفاع الروسي ضعفها بينما تبحث أوكرانيا عن الثغرات وتنفيذ ضرباتها بدقة.
الدعم الغربي لأوكرانيا
من المحتمل أن تتلقى أوكرانيا دعماً استخباراتياً من دول حلف الناتو، على الرغم من قلة الأدلة. وأشارت تسوكرمان إلى أهمية دور الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين توفران أنظمة مراقبة حديثة، تساعد أوكرانيا في التخطيط وتنفيذ الهجمات.
تشير تكتيكات الاستهداف الأوكرانية إلى استخدام المعلومات من الأقمار الاصطناعية، مما يعزز من قدراتها الهجومية ويعقد مهمة الدفاع الروسية.
أمام حرب الطائرات المسيّرة
تعتبر الطائرات المسيّرة أداة فعالة في الحرب الحديثة، حيث تفرض تحديات واضحة للدفاعات الجوية التقليدية. وبهذا السياق، تُظهر التطورات الحديثة في هذه الطائرات أن هناك صعوبة بتطوير طرق فعالة لمواجهتها.
على الرغم من مساعي روسيا لنشر أنظمة مضادة للطائرات المسيّرة، إلا أن فعاليتها في مواجهة الهجمات مثل “شبكة العنكبوت” تبقى محل شك، خاصة مع قدرة أوكرانيا على تطوير طائرات مسيّرة ذاتية التحكم.
ردود الفعل الروسية المحتملة
تتجه الأنظار إلى كيفية رد روسيا على الهجمات الأوكرانية، حيث يستبعد المحللون فكرة استخدام الأسلحة النووية. وفق العقيدة الروسية، يتم استخدام الأسلحة النووية فقط في حال وجود تهديد وجودي.
وعلى الرغم من الضغوط والمخاطر الناتجة عن الهجمات، فإن موسكو قد تفضل استخدام استراتيجيات تقليدية لمواجهة التحديات العسكرية الحالية.