يوم عرفة.. في هذا اليوم العظيم، يقف جموع الحجاج على صعيد جبل عرفات، وتتعلق قلوب المسلمين في شتى بقاع الأرض بالرجاء والدعاء، فقلوبهم يملؤها الرجاء، وألسنتهم تلهج بالدعاء، وأعينهم تدمع وتتطلع إلى رحمة الله الرحمن؛ إنه يوم تتلاقى فيه الأرواح الطاهرة، متجردة من شواغل الدنيا وهمومها، لتتوجه إلى خالقها متضرعة بصدق وإيمان.
تشرق شمس يوم عرفة -الذي يوفق يوم التاسع من ذي الحجة- وقد حملت بين أشعتها آمال المغفرة التي يظللها طيف السكينة والاطمئنان، لتعلن عن فتح أبواب الرحمة على مصراعيها، لتتدفق فيها دموع التوبة، وتتعانق فيها الأرواح لتتطهر من أدران الدنيا وخبثها، باحثةً عن الصفاء والنقاء في رحاب الرحمن.
في يوم عرفات والذي هو أيضا وقفة عيد الأضحى، يشهد الكون كله على وحدة الأمة الإسلامية، وتتعالى التكبيرات والتهليلات من كل حدب وصوب، إنه يومٌ تتماهى فيه الفوارق وتتلاشى الحواجز، فيرتقي المؤمنون بروحانياته، متوجهين فيه بكل صدق إلى بارئهم، سائلين الرحمة والمغفرة والعتق من النار.
في هذا التقرير نستعرض معكم فضل يوم عرفة وأهميته، وأفضل الأعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد إلى ربه في هذا اليوم المبارك مثل الصيام والدعاء.
فضل يوم عرفة
يوم عرفة هو من أفضل أيام العام، لذا فإن فضله عظيم.. من فضائل يوم عرفة:
1- إكمال الدين وإتمام النعمة
نزلت في يوم عرفة آية اكتمال الدين، إذ يقول رب العالمين في القرآن الكريم: {اليوم أكملت لكم دينكم …} (سورة المائدة: 3).
2- الدعاء يوم عرفة مستجاب
للدعاء في هذا اليوم المبارك منزلة خاصة، فقد ورد عن النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، أنه قال: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة”.. وفي تكملة هذا الحديث قال صلى الله عليه وصلم إن خير ما قاله هو والنبيون من قبله، هو: “لا إلــه إلا الله وحـده لا شريك لـه، لـه الملك ولـه الحمد، وهو على كـل شيء قدير” .
3- مغفرة الذنوب والعتق من النار
في هذا اليوم العظيم يعتق الله رقاب الكثير من عباد من النار، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة” (رواه مسلم).
4- صيام يوم عرفة لغير الحاج
من الفضائل العظيمة أن صيام يوم عرفة لغير الحاج يكفر الذنوب سنتين -سنة ماضية وسنة قادمة-، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة إنه يحتسب على الله في هذا اليوم أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده.
5- وقفة عرفات
وقفة عرفات أو الوقوف على جبل عرفات للحجاج هو الركن الأعظم في الحج، حيث أكد ذلك النبي الكريم، حين قال: “الحج عرفة” (رواه الترمذي).
6- تجلي الله يوم عرفة
في هذا اليوم -يوم عرفة- يتجلى الله على عباده برحمته الواسعة، ويباهي بهم الملائكة، فيغفر لهم ويجيب دعاءهم، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا -في هذا اليوم- فيباهي بعباده الواقفين بعرفات، ويقول للملائكة: “انظروا إلى عبادي، أتوني شعثًا غبرًا ضاجين من كل فجٍ عميق، أشهدكم أني قد غفرت لهم”.
أهمية يوم عرفة
لهذا اليوم أهمية كبيرة عند المسلمين، منها ما يلي:
1- الركن الأعظم في الحج
فريضة الحج لا تتم دون الوقوف بعرفات، فالوقوف بعرفة هو الركن الأساسي والأعظم في مناسك الحج، وقد أكد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: “الحج عرفة” (رواه الترمذي).
2- وحدة المسلمين
يجتمع المسلمون من مختلف الجنسيات والأعراق في يوم عرفة بمكان واحد، وذلك لأداء شعيرة الحج، ويعكس هذا التجمع الضخم مفهوم الوحدة والتضامن بين المسلمين، ويشكل رمزاً قوياً للتعبير عن الأخوة والتآخي الذي يجب أن يسود بين المسلمين.
ويؤكد هذا التجمع الضخم، أن الإسلام يدعو إلى الوحدة والتعاون بين أفراد المجتمع، بغض النظر عن اختلافاتهم في اللغة والثقافة والعرق، إذ يعزز هذا التجمع مفهوم العدالة الاجتماعية والمساواة، حيث يتشارك الجميع نفس الظروف ونفس الواجبات دون تفرقة أو تمييز.
3- ذكرى خطبة الوداع
في مثل هذا اليوم “يوم عرفة”، وقبل وفاته بأشهر قليلة، ألقى النبي محمد صلى الله عليه وسلم خطبة الوداع، وهي واحدة من أهم الخطب في تاريخ الإسلام، في هذه الخطبة أكد النبي الأمين اكتمال الدين، وشدد على المساواة والعدل بين الناس وأنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
4- فرصة لغير الحجاج
يعد هذا اليوم فرصة كبيرة للمسلمين الذين لم يتمكنوا من أداء فريضة الحج، ذلك أن صيام هذا اليوم والعبادة فيه والتوبة النصوح إلى الله، تتيح لهم فرصة عظيمة لنيل الأجر العظيم من رب العالمين، وتكفير ذنوبهم.
أفضل الأعمال في يوم عرفة
– الصيام: إن صوم يوم عرفة يكفّر ذنوب سنتين، وهو من أفضل الأعمال والعبادات التي يمكن القيام بها في هذا اليوم المبارك.
– الدعاء: يُستحب الإكثار من الدعاء في يوم عرفة، فقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة”، لذا يجب على المسلم أن يحرص على استغلال هذا اليوم بالدعاء لنفسه وأهله وأحبته ووطنه وجموع المسلمين.
– التكبير والتهليل: يُستحب أيضا الإكثار من التكبير والتهليل في هذا اليوم، وصيغة التكبير هي: “الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”، إذ يبدأ تكبير العيد من فجر هذا اليوم.
– قراءة القرآن: تعد تلاوة القرآن الكريم وتدبره في هذا اليوم من الأعمال المستحبة، لما للقرآن من مكانة عظيمة بما تحمله كلماته من شفاء للصدور ورفع للدرجات وتكفير للخطايا والذنوب.
– الصدقة: ومن أفضل الأعمال للمسلمين في هذا اليوم المبارك “التصدق”، فالصدقة تطفئ غضب الرب وتزيد من حسنات المسلم.
