على مر التاريخ -القديم والحديث- برزت مصر كداعمة ومدافعة وحامية لـ الأمن القومي العربي، حيث اتسمت السياسة الخارجية المصرية بالحياد وعدم الانحياز، وجعلت من استقلال وحماية أشقائها في الدول العربية على رأس أولوياتها، وذلك بهدف تأمين الأمن القومي المصري من جهة والأمن القومي العربي المشترك من جهة أخرى.
مواقف مصر في التاريخ الحديث
عقب ثورة يوليو 1952 كثفت مصر ﺟﻬﻮﺩها ﻟﺤﺼﻮﻝ دولة ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ انجلترا، ﻣﻤﺎ ساهم في تسريع ﺍﻟﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺍﺗﻔﺎﻕ ﻓﺒﺮﺍﻳﺮ 1953 ﺑﻴﻦ ﻣﺼﺮ ﻭﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ بأﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻠﺴﻮﺩﺍﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻰ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻣﺼﻴﺮﻫﺎ. ﻭﻛﺎﻥ ولازال ﺩﻭﺭ مصر ﺑﺎﺭﺯا ﻓﻰ الدفاع عن ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄينية ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ، فكان لها ﺍﻟﺴﺒﻖ ﻓﻰ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﻫﻴﺌﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺗﻤﺜﻞ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻰ الأمر الذي ﺗﺠﺴﺪ ﻓﻰ ﻘﺮﺍﺭﺍﺕ ﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻸﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻋﺎﻡ 1974.
تحرير الجزائر واليمن
ووقفت القاهرة بجانب الجزائر إلى أن انتصرت ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻰ ﻭﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ﺳﻨﺔ 1962، ﻭﻇل الدعم للجزائر إلى أن تمكن ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ من الوقوف على أرض ثابتة، وهو ما حدث أيضا مع اليمن إلتى تحقق هدفها بقيام الجهورية عام 1967.
دعم الجيش العراقي
وعندما أعلن جيش ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ عن قيام الجمهورية العراقية ﻓﻰ عام 1958 ﻛﺎﻧﺖ القاهرة ﻓﻰ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺍﻟﻘﻮﻯ الداعمة لها ﻣﺎﺩﻳﺎ ﻭﻣﻌﻨﻮﻳﺎ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻫﺪﺩﺕ أمريكا وبريطانيا ﺍﻟﺜﻮﺭة ﺍﻟﻌﺮﺍﻗية ﺃﻋﻠﻦ جمال ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺻﺮ ﺃﻥ ﺃﻯ ﻋﺪﻭﺍﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﻳﻌﺪ ﻋﺪﻭﺍﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ، ونجحت القاهرة فى دعم حركات التحرر فى عدن وخرجت بريطانيا منها، وﺣﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﺘﺤﺮﺭ ﻓﻰ ﺗﻮﻧﺲ ﻭﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﺣﺘﻰ ﺗﺤﻘﻖ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻬﻤﺎ ﻋﺎﻡ 1956.
ﺣﻖ ﺍﻟﺼﻮﻣﺎﻝ
ودافعت ﻋﻦ ﺣﻖ ﺍﻟﺼﻮﻣﺎﻝ ﻓﻰ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﻤﺼﻴﺮه، وﻓﻰ الحفاظ على استقلال الكويت.. وبعد سنوات من الاستقلال عاد الاستعمار في صورة جديدة لهدم الأوطان العربية، ومن جديد عاودت مصر العمل على إحباط المؤامرات والأطماع الخارجية.
حلف بغداد والأمن القومي العربي
مواقف مصر تأتي من إيمانها الراسخ بضرورة الحفاظ على الأمن القومي العربي، من خلال رؤية واسترتيجية عميقة ذات قرار سيادي، بعيدا عن الإملاءات الخارجية، الأمر الذي يتضح من مواقف القاهرة الثابتة في كافة العصور.
ففي منتصف الخمسينات في القرن الماضي، جرى الإعلان عن تأسيس «حلف بغداد» والذي ضمَّ في عضويته بريطانيا والعراق وإيران وباكستان وتركيا، وذلك بهدف تشكيل حاجز يقف أمام توسُّع النفوذ السوفيتي -الروسي حالياً- في منطقة الشرق الأوسط.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الرئيس لفكرة هذا التحالف، إلا أنها اكتفت بتقديم الدعم الاقتصادي والعسكري له، دون أن تشارك مباشرة في عضويته.
موقف مصر من حلف بغداد
وقتها سعى الغرب إلى ضم الدول العربية إلى صفوف «حلف بغداد» لكن القاهرة تبنت موقفًا حازمًا ورافضا للهيمنة الخارجية على المنطقة، وبذلت جهودًا مستميتة لإقناع الدول العربية بعدم الانضمام إلى تلك التحالفات العسكرية، حرصًا منها على المحافظة على وحدة العرب واستقلاليتهم.
بعثت القاهرة صلاح سالم وزير الإرشاد القومي -في ذلك الوقت- ليطوف البلاد العربية ويلتقي ساستها ويؤكد لهم أن مصلحة العرب لن تتحقق إلا برفض الأحلاف العسكرية الخارجية، وتوحيد السياسة العربية الخارجية، وتحويل الضمان العربي الجماعي إلى حقيقة واقعة بتدعيمه بواسطة الدول العربية نفسها، وتدعيم الجامعة العربية وتوفير جميع الإمكانيات التي تجعلها جديرة بمكانتها لدى الشعوب العربية لأنها قادرة على جمع العرب وتوحيد كلمتهم.
وقتها اجتمعت الدول العربية على هذه القواعد، عدا العراق -في ذلك الوقت- إلى أن خرجت منه عام 1958، وبائت جهود الغرب بالفشل ولم تنجح في إقناع الزعيم جمال عبد الناصر، ولا في إيقاف الهجمات المصرية على «حلف بغداد» إذ رأى عبد الناصر في هذا التحالف تهديدًا مباشرًا لمصر، وعاملاً يزيد من الضغوط المستمرة على الأمة العربية.
سياسة مصر الخارجية
“نتبع سياسة مصرية خالصة لإيماننها بوحدة المصير المشترك”.. بهذه الكلمات أكد اللواء محمود منير حامد، الخبير الاستراتيجي وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، أن مصر تنتهج سياسة تهدف إلى تغليب المصالح العربية والعمل في إطار مشترك لتحقيق الأهداف القومية العربية والمصرية، مشيرا إلى أن القاهرة في هذا الإطار تدعم القضايا العربية في المحافل الدولية وتتعاون في سياستها الخارجية مع الأشقاء، لمواجهة القوى الخارجية التي تنتهج سياسات تتعارض مع المصالح العربية بصفة عامة والمصرية بصفة خاصة، لإجهاض محاولات تفتيت وإضعاف المنطقة.
وقال منير حامد، إن مصر تتعاون مع أشقائها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية لرفض أي محاولات تسعى للتأثير أو التدخل أو فرض سياسات تهدد الأمن القومي العربي، لافتا إلى أن القاهرة تتخذ سياسة معتدلة تُغلب فيها المصالح القومية العربية على أي مصالح أخرى حتى وإن كانت خاصة، وهي سياسة ثابته لدى مصر لا تحيد عنها تجعل الأهداف القومية العربية في المقدمة، ومن هذا المنطلق تنسق سياستها تجاه القضايا العربية مع أشقائها دون التدخل في سياستهم الداخلية.
تاريخ يشهد
وأوضح د. جهاد عودة، استاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، أن مصر لديها تاريخ عظيم في دعم أشقائها العرب، ففي عصر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر جاء استقلال الدول العربية على يد مصر، بعدما كثفت جهودها في هذا الأمر، مضيفا: بعد هذه السنوات من الاستقلال أصبحت مصر –حاليا- في مواجهة مباشرة مع قضايا العصر الجديد ومحاولة إنقاذ الدول العربية من التفتت واسترجاع تكاملها وتكوينها الأصيل، لتظل متماسكة وقادرة على الحياة والنمو.
ووجه عودة، التحية إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي لسياسته الحكيمة في دعم الدول الشقيقة التي تواجه التفتت، لاسترجاع الكرامة العربية من خلال إعادة فكرة النمو العربي، مبيننا أن لمصر في ذلك دور مستقل، وهذا الدور المستقل ليس عدوانيا ضد الدول الغربية أو الشرقية، لأن مصر تؤمن بالاستقلال وضرورة التعاون الدولي، مؤكدا: مصر لها رؤية عميقة واستراتيجية محددة للنهوض بمصر والدول العربية، وهذا واضح جدا.