تستمر اجتماعات وزراء خارجية الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لليوم الثاني في بروكسل، حيث يركز الاجتماع على تعزيز القدرات الدفاعية للتحالف واستمرار الدعم لأوكرانيا. وفي هذا الإطار، أعرب وزراء الخارجية من الدول الأوروبية الأعضاء وكندا، عن استعدادهم لزيادة الإنفاق الدفاعي، ولكنهم أبدوا فتوراً تجاه المطالب الأميركية المتعلقة بحجم الميزانيات العسكرية في أعقاب سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب.
الدعوات لإنفاق أكبر
لطالما حث الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب حلفاءه على زيادة الإنفاق الدفاعي، مشيراً إلى أن الاعتماد على الميزانية الدفاعية الكبيرة في واشنطن لم يعد خياراً مستداماً. وفي هذا السياق، قالت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي للصحافيين في مقر الناتو: “من المهم أن نتفق جميعاً على التهديد الروسي. وإذا لم يكن الحال كذلك، فلا أعلم لماذا يجب أن نزيد دائماً الإنفاق الدفاعي.”
وقد دعا الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، إلى ضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي ليصل إلى “أكثر من 3 في المئة بشكل كبير”، وهو ما يُتوقع أن يتم اتخاذ قرار به خلال القمة المقبلة المزمع عقدها في يونيو.
أهداف الدول الأعضاء
أكد وزير الخارجية الفرنسي جان -نويل بارو أن بلاده تهدف إلى الوصول إلى إنفاق دفاعي يتراوح بين 3 إلى 3.5 في المئة، وهو ما يقارب مستويات الإنفاق الدفاعي الأمريكي. في المقابل، أشار وزير الخارجية النرويجي إسبن بارث إلى أن الدول الأعضاء في الناتو تعمل على وضع هدف إنفاق جديد سيتم الإعلان عنه في القمة القادمة، ولكنه اعتبر هدف الـ5 في المئة طموحاً عالياً يتطلب وقتاً وإعداداً كبيرين.
تظهر بيانات وزارة الدفاع الأميركية أن الولايات المتحدة كانت قد أنفقت نسبة 2.7 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع في عام 2024. وفي سياق الدعم الأمريكي، أنفق حلفاء الولايات المتحدة مليارات الدولارات على الدفاع منذ بداية الحرب الأوكرانية قبل ثلاث سنوات، إلا أن ثلثهم تقريباً لم يحقق الهدف المتمثل في تخصيص 2 في المئة من إجمالي ناتجهم المحلي.
الضغط الأمريكي المتواصل
في أول حضور له لاجتماعات وزراء خارجية الناتو، جدّد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو المطالب بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5 في المئة، وهو ما يزيد على ضعف الهدف الحالي البالغ 2 في المئة. وأكد روبيو خلال الاجتماع على ضرورة الاتفاق على “مسار واقعي” لتحقيق هذا الهدف، مشيراً إلى أن واشنطن ستضطر أيضاً إلى زيادة إنفاقها لتعزيز هذا التوجه.
أقر روبيو أن التنفيذ الفعلي لهذه الزيادات سيستغرق وقتاً، ولكنه شدد على ضرورة رؤية تقدم في هذا الملف. وأوضح أن وجود توافق بين أعضاء الناتو على الالتزام بالإنفاق الدفاعي بنسبة 5 في المئة سيكون ضرورياً، بما في ذلك أمريكياً.
مستقبل الناتو
لطالما اتُّهم ترمب، مثل غيره من رؤساء الولايات المتحدة، الحلفاء الأوروبيين بالاعتماد على الحماية الأميركية، متجاهلين مسؤولياتهم في الإنفاق الدفاعي. ومع ذلك، يسعى العديد من الدول الأعضاء إلى تعزيز ميزانياتها الدفاعية استجابة للتحولات الجيوسياسية في المنطقة، خاصة مع التصعيد الروسي.
تتجه الأنظار الآن إلى القمة المقبلة في يونيو، حيث يأمل البعض في التوصل إلى اتفاق يمكن أن يُعتبر انتصاراً للإدارة الأمريكية، بينما يُظهر آخرون تردداً في الالتزام بالأرقام المطروحة في ظل الظروف الحالية للصراعات المالية.
احتمالات الوصول إلى اتفاق
حتى الآن، لم يبدي معظم الحلفاء الأوروبيين التزاماً واضحاً بشأن خطط زيادة الإنفاق. وأكد وزير الخارجية النرويجي إسبن بارث أن هناك توافقاً على الحاجة لبذل المزيد من الجهد، ولكن الوصول إلى هدف الـ5 في المئة قد يكون بعيد المنال للبعض. يتوقع الدبلوماسيون أن تبدأ المناقشات الجادة حول هذه القضايا في مايو، مع سعي الجميع لإيجاد حلول مبتكرة تلبي الاحتياجات المختلفة.
في النهاية، إن التحدي المتمثل في الوصول إلى 5 في المئة سيحسب عواقبه ليس فقط على الاستراتيجية الدفاعية لحلف الناتو ولكن أيضاً على الأوضاع المالية للدول الأعضاء، علماً أن الأمر يتطلب استثماراً إضافياً كبيراً قد يزيد عن 1.1 تريليون دولار سنوياً في ميزانية الناتو.