أكد لقاء الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، مع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، على الحاجة الملحة لأخذ مطالب المحتجين في صربيا بعين الاعتبار. وأوضحت فون دير لاين عبر منصة «إكس» ضرورة إقدام بلغراد على «إصلاحات الاتحاد الأوروبي»، مع التركيز على حرية الإعلام، ومكافحة الفساد، والإصلاحات الانتخابية. وأكدت على أن “مستقبل صربيا يكمن في الاتحاد الأوروبي”.
ضعف ردود الفعل الأوروبية
يشير محللون وساسة إلى أن الاتحاد الأوروبي تأخر في التعبير عن موقفه تجاه الأحداث في صربيا، رغم موقعها الاستراتيجي الهام في منطقة غرب البلقان، التي تشمل أيضاً ألبانيا، والبوسنة والهرسك، ومقدونيا الشمالية، والجبل الأسود، وكوسوفو. حيث تزايدت أجواء التوتر في المنطقة منذ عام 2014 عقب الانقلاب السياسي في أوكرانيا.
يرى البعض أن الموقف الأوروبي «المتردد» تجاه الاحتجاجات المناهضة للفساد والمطالبة بالإصلاحات قد يكون ناجماً عن مصالح اقتصادية، متهمين بروكسل بالتركيز على هذه المصالح على حساب القيم الديمقراطية.
تاريخ فوتشيتش السياسي
يتولى فوتشيتش (55 عاماً) رئاسة صربيا منذ عام 2017 بعد أن شغل منصب رئيس الوزراء لثلاث سنوات. يعود أصله إلى منطقة صربية في البوسنة، وقد عانت عائلته من التهجير خلال الحرب العالمية الثانية.
تزايد الغضب الشعبي ضد سياساته، خصوصاً بعد الحادث المأساوي في محطة قطارات نوفي ساد في الأول من نوفمبر، الذي أسفر عن مقتل 15 شخصاً. كما كان هناك احتجاجات ضد صفقة استخراج الليثيوم مع ألمانيا، والتي عكست، في نظر الكثير من الصرب، تدهور التصرف الحكومي تجاه المصالح الوطنية.
معضلة الاتحاد الأوروبي
في ظل هذه الظروف، يواجه الاتحاد الأوروبي معضلة حقيقية. فليس من السهل عليه معاقبة صربيا، بسبب كونها القوة الاقتصادية الرئيسية في غرب البلقان، وخوفه من دفع بلغراد نحو توسيع روابطها مع روسيا والصين، خاصة وأن صربيا تُعتبر شريكاً في مبادرة «الحزام والطريق» الصينية.
يقول نيبويشا فلاديسافليفيتش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بلغراد، إن نهج الاتحاد الأوروبي تجاه غرب البلقان يعتمد على الحفاظ على الوضع الراهن، دون اعتبار لتوجهات الدول نحو الديمقراطية، حيث أن الأولوية تبقى للاستقرار الذي قد يعزز الاستبداد على المديين المتوسط والطويل.
توجهات صربيا نحو الاتحاد الأوروبي
على الرغم من طول الطريق نحو عضوية الاتحاد الأوروبي، تمكنت بلغراد من إنشاء علاقات اقتصادية قوية مع التكتل، الذي يُعتبر شريكها التجاري الأول. أظهر استطلاع رأي أجري عام 2024 أن 40 بالمئة فقط من الصرب يؤيدون الانضمام للاتحاد، حيث عزا الرافضون ذلك للتركيز الاقتصادي لبروكسل في علاقاتها مع صربيا.
توجهات السياسة الخارجية الأمريكية
لم تتضح بعد تفاصيل سياسات دونالد ترمب تجاه منطقة غرب البلقان، ولكن فوتشيتش أبدى تفاؤلاً ناتجاً عن العودة المرتقبة لترمب، معبراً عن ثقته في أن إدارته ستعزز العلاقات مع صربيا. وكشف فوتشيتش عن تلقيه دعماً كبيراً من الشعب الصربي خلال اتصال هاتفي مع ترمب.
رغم أهمية العلاقات مع موسكو وبكين وبروكسل، يسعى فوتشيتش إلى تعزيز الروابط الاستراتيجية مع واشنطن للحصول على توازن في سياسته الخارجية. ذلك في وقت تحتاج فيه العلاقات مع كوسوفو أيضًا إلى إعادة تقييم.
تزايد التوترات
في ظل عدم الاستقرار المستمر في صربيا، تظهر مخاوف من تفاقم الأوضاع بينها وبين كوسوفو، في وقت يساعد فيه تدخل المصالح الأجنبية على تفجر الأزمات. ويتزايد القلق أيضاً بشأن خطر عودة النزاعات الأهلية في البوسنة والهرسك، وسط تنامي الديناميكيات الجيوسياسية في منطقة تُعتبر من أكثر المناطق تعقيداً في العالم.