تحل ليلة النصف من شعبان كل عام، وتأتي بنفحاتها الطيبة، وقيل عنها أنه ما من ليلة بعد ليلة القدر أفضل من ليلة النصف من شعبان، لأن الله تبارك وتعالى يتنزل فيها إلى السماء الدنيا ليغفر لعباده.
إنَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ:
وقد اختص الله تعالى شهر شعبان بكرمه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُحبّ أن يصوم فيه؛ حيث روي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، أنه قال لرسول الله: يا رسول الله لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فكان رد الرسول عليه السلام أن ذلك الشهر يتغافل عنه الناس وأنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم.
متى ليلة النصف من شعبان 2024؟
تبدأ ليلة النصف من شعبان لعام 1445 هجريا الموافق 25 فبراير 2024.. تبدأ هذه الليلة من مغرب يوم السبت 14 شعبان 1445هـ الموافق 24/2/2024، وتنتهي فجر الأحد 15 شعبان 1445هـ الموافق 25/2/2024.
حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان
أكدت دار الإفتاء المصرية أن الاحتفال بليلة النصف من شهر شعبان مشروع ومستحب، وأن الشريعة الإسلامية ترغب في إحيائها واستغلال فضلها بالقيام فيها وصوم نهارها، سعيًا لنيل الثواب واستقطاب البركات التي يُنزلها الله في تلك الليلة، وأنه قد ثبت عبر القرون إحياء المسلمين من السلف ولخلف لهذه الليلة المباركة.
وأشارت إلى أن الادعاءات التي تشكك في فضل ليلة النصف من شعبان وتصنفها كبدعة ليست لها أساس شرعي، بل هي آراء مرفوضة ومردودة بالأدلة الشرعية المؤكدة، من الأحاديث المتواترة وأقوال أئمة الإسلام، وعمل السلف الصالح والخلفاء الراشدين وغيرهم من العلماء والعباد.
فضائل ليلة النصف من شعبان والأدلة على ذلك
اختص الله عز وجل من شهر شعبان، ليلة النصف من شعبان، وفضَّلهما على غيرهما من أيام هذا الشهر المبارك ولياليه، فاختصها الله بالفضل والبركة، ورغبَّ في إحيائها واستثمارها بالقيام في ليلها وصوم نهارها؛ بهدف نيل ثوابها وجني النفع من الخيرات التي تنزل فيها، وثبت ذلك في النصوص القرآنية والسنة النبوية.
إلا لمشرك أو مشاحن
يقول الأستاذ الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية، إن لليلة النصف من شعبان مكانة عظيمة، والدليل على ذلك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: “يطَّلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن” مشيرا إلى أن المسلمين في كل العصور والأزمان منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم، حتى وقتنا هذا أجمعوا على أن ليلة النصف من شعبان من الليالي الفاضلة والطيبة وأن لها منزلة كبيرة عن الله سبحانه وتعالى .
وأشار المفتي إلى الاهتمام الكبير الذي أبداه علماء المسلمين في بحث فضل هذه الليلة وتوثيق ذلك في أعمالهم العلمية المتنوعة، حيث بذلوا جهدهم لتفصيل فضلها وإحيائها وشرح خصائصها في كتاباتهم ورسائلهم، ومن ذلك:
– “ليلة النصف من شعبان وفضلها” للحافظ ابن الدبيثي صاحب “الذيل على تاريخ بغداد”، الذي توفي عام 637هـ.
– “الإيضاح والبيان لما جاء في ليلتي الرغائب والنصف من شعبان” للإمام ابن حجر الهيتمي الذي توفي عام 974هـ.
– “التبيان في بيان ما في النصف من شعبان” للملا علي القاري، الذي توفي عام 1014هـ.
– “فضائل ليلة النصف من شهر شعبان” للعلامة سالم السنهوري، الذي توفي عام 1015هـ.
– “رسالة في فضل ليلة النصف من شهر شعبان” للعلامة محمد حسنين مخلوف، الذي توفي عام 1355هـ.
– “حسن البيان في ليلة النصف من شعبان” للعلامة عبد الله بن الصديق الغماري، الذي توفي عام 1413هـ.
آيات ليلة النصف من شعبان
ويشير مفتي الديار المصرية، إلى أنه ورد عن تفسير الآية الرابعة من سورة الدخان: ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ أن المقصود منها هي ليلة النصف من شعبان؛ حيث يبرم فيها أمر السَّنَة، وتنسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاجّ؛ فلا يُزَاد فيهم أحد، ولا ينقص منهم أحد؛ وهو ما نقله الإمام الطبري في تفسير “جامع البيان”، والإمام القشيري في كتاب “لطائف الإشارات”، والإمام الكرماني في كتاب “غرائب التفسير”، والإمام البغوي في كتاب “معالم التنزيل”، وغيرهم من المفسرين.
أحاديث ليلة النصف من شعبان
أما عن الأحاديث النبوية التي وردت في فضل هذه الليلة، وجاءت بمعنى صريح وواضح، فقال شوقي علام، إنه قد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا، فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلَا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟ أَلَا كَذَا؟ أَلَا كَذَا؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ».
وروت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا في ليلة النصف من شعبان.
وورد أيضا عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يَفْتَحُ اللهُ الْخَيْرَ فِي أَرْبَعِ لَيَالٍ: لَيْلَةِ الْأَضْحَى، وَالْفِطْرِ، وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَان؛ ينْسَخُ فِيهَا الْآجَالَ وَالْأَرْزَاقَ، وَيَكْتُبُ فِيهَا الْحَاجَّ، وَفِي لَيْلَةِ عَرَفَة إِلَى الْأَذَانِ».
وأشارت دار الإفتاء إلى أن هناك الكثير من الأحاديث التي ورد ذكرها في مصنفات الأئمة، حتى أن بعضهم خصص لها أبوابا في كتبهم، كباب: “باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان” للإمامين الترمذي وابن ماجه في “سننهما”، وباب: ” باب ذكر نزول ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان، وَمَطْلَعِهِ إلى خلقه” لابن أبي عاصم في “السنة”، وكذلك باب: “بَابٌ فِي فَضْلِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ” لـ”البيهقي” في “فضائل الأوقات”، والبغوي في “شرح السنة”.
تحويل القبلة
أكد أمين الفتوي بدار الإفتاء المصرية، الشيخ عويضة عثمان، أن ليلة النصف من شعبان هي من أعظم الليالي، مشيرا إلى أنه في تلك الليلة تم تحويل القبلة -بحسب قول بعض العلماء- من المسجد الأقصى إلى بيت الله الحرام، حيث كانت قبلة المسلمين في الصلاة نحو المسجد الأقصى وظل الصحابة عليها لنحو 16 شهرًا.
جدير بالذكر أن هناك آراء أخرى حول موعد تحويل القبلة من المسجد احرام إلى المسجد الأقصى، بعضها قال إنها في اليوم الـ17 من شهر رجب من العام الثاني بعد الهجرة إلى المدينة، وقيل إن ذلك كان في اليوم الـ8 من شهر محرم من العام نفسه.
أسرار ليلة النصف من شعبان
وجاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: يعجبني أن يفرغ الرجل نفسه في 4 ليال، وهما: الفطر، الأضحى، النصف من شعبان، وأول ليلة من شهر رجب.
وجاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: “خَمْسُ لَيَالٍ لَا يُرَدُّ فِيهِنَّ الدُّعَاءَ: لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ، وَأَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ، وَلَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَلَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ”.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عديّ بن أرطأة وهو عامله على البصرة: “أَنْ عَلَيْكَ بِأَرْبَعِ لَيَالٍ مِنَ السَّنَةِ؛ فَإِنَّ اللهَ يُفْرِغُ فِيهِنَّ الرَّحْمَةَ إِفْرَاغًا: أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنَ رَجَبٍ، وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَلَيْلَةِ الفِطْرِ، وَلَيْلَةِ الْأَضْحَى”.
وعن عطاء بن يسار قال: “مَا مِنْ لَيْلَةٍ بَعْدَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَفْضَلُ مِنْهَا -يَعْنِي لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ-؛ يَنْزِلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ أَوْ قَاطَعِ رَحِمٍ”.
صيام النصف من شعبان
من العظيم أن يقضي المسلم ليل ونهار النصف من شعبان في طاعة الله عز وجل، ويكون صيام النصف من شعبان يوم الأحد 25 فبراير الموافق 15 شعبان.
وأكدت دار الإفتاء أن صيام نهار النصف من شعبان مباح شرعًا، خاصة وأن صيام أيام التشريق الثلاثة “15،14،13″من كل شهر هجري أمر حث عليه الرسول الكريم في قوله: “صم من كلّ شهر ثلاثة أيّام، فذلك صوم الدهر، أو كصوم الدهر”، وهو إشارة إلى أيام البيض.
وروي عن على بن أبي طالب كرم الله وجهه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا، فَإِنَّ اللهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ لِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلَا من مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلَا من مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟ أَلَا كَذَا؟ أَلَا كَذَا؟ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ».
الدعاء ليلة النصف من شعبان
اذكار النصف من شعبان وأدعية هذه الليلة المباركة كثيرة، ومن الجيد أن يدعو الإنسان بنية خالصة لله بما في قلبه مباشرة.
ومن أدعية ليلة النصف من شعبان:
– اللهمَّ إني أسألُك العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرةِ اللهمَّ وأسألُك يارب العفوَ والعافيةَ في دِيني ودنيايَ وأهلي ومالي اللهمَّ استُرْ عوراتي وآمِنْ روعاتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذُ بك أن أُغْتَالَ من تحتي.. اللهم بشرني بالخير في تلك الليلة الطيبة كما بشرت يعقوب بيوسف، وبشرني بالفرح كما بشرت زكريا بيحيى. عليهم جميعا أفضل الصلوات وأتم التسليمات.
– اللهم بحق هذه الليلة المباركة ليلة النصف من شعبان آتي نفوسنا تقواها وزكها يارب فأنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها.