في خطوة قد تعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي للحرب الجوية، قدمت روسيا مؤخرًا مقترحًا لإنتاج مقاتلتها الشبح المتطورة Su-57 Felon محليًا في الهند. وقد تم تسليط الضوء على هذا الاقتراح من قِبل فاديم بادخا، الرئيس التنفيذي لشركة الطائرات المتحدة، خلال انطلاق فعاليات Aero India 2025 في بنغالور، مما أثار اهتمامًا واسعًا في ديناميكيات الدفاع الدولية.
تقييم عرض روسيا
دميتري شوجايف، رئيس الخدمة الفيدرالية الروسية للتعاون العسكري التقني، أعلن في تصريحات لوكالة سبوتنيك في أبوظبي، أن الهند لم ترفض العرض الروسي، بل إنها تفكر فيه بشكل جاد.
تشير تعليقات شوجايف إلى أن المسؤولين العسكريين الهنود يقومون بتقييم المقترح بشكل نشط رغم عدم اتخاذ قرار نهائي بعد. وأشار إلى استعداد روسيا لدعم التصنيع المحلي، ربما في منشآت مثل شركة هندوستان لعلم الطيران، التي تتمتع بخبرة كبيرة مع الطائرات الروسية مثل Su-30MKI.
التحديات الهندية
ما زال مشروع الطائرات القتالية المتوسطة المتقدمة في الهند في مراحله الأولى، مما يمثل تحديًا زمنيًا حقيقيًا لنيودلهي. ويقترح المحللون أنه قد لا يتمكن المشروع من إنتاج أكثر من نموذجين فقط خلال العقد المقبل، مما قد يترك الهند في حالة ضعف أمام الصين وباكستان اللتين تعززان من قدراتهما العسكرية.
وبالتالي، تكون مقاتلة Su-57 بمثابة حل استراتيجي فوري للهند. وفي الوقت نفسه، تُعرض مقاتلة F-35 Lightning II من الولايات المتحدة، حيث قدمها الرئيس السابق دونالد ترامب شخصيًا إلى نظيره الهندي ناريندرا مودي. ومع ذلك، فإن القيود التشغيلية على F-35 بالنسبة للدول غير الأمريكية قد تؤثر سلبًا على حماسة الهند تجاه هذه الصفقة، حسبما يقول الخبراء في المجال.
تأثيرات على العلاقات الاستراتيجية
إذا اختارت الهند مقاتلة Su-57، فإن ذلك قد يؤدي إلى تحديات لمبيعات المعدات العسكرية الأمريكية ويؤثر على الشراكات الاستراتيجية وسياسات تبادل التكنولوجيا التي أقامتها الولايات المتحدة مع الهند. وقد يتسبب ذلك في إعادة تقييم استراتيجيات الدفاع الأمريكية في جنوب آسيا، مما قد يؤثر على سوق العمل في الولايات المتحدة، حيث تلعب صناعة الدفاع دورًا كبيرًا في الاقتصاد.
على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، يمكن أن يؤثر هذا الشراكة المحتملة بين روسيا والهند على العلاقات الهندية الأمريكية. حيث سعت الولايات المتحدة إلى تعزيز العلاقات من خلال مبادرات مثل الحوار الرباعي، بهدف مواجهة نفوذ الصين في المنطقة. ومع ذلك، فإن اقتراب الهند من التكنولوجيا العسكرية الروسية يحمل مخاطر توتر هذه الشراكة الناشئة.
دروس من التعاون السابق
قد تواجه الولايات المتحدة تحديات فيما يتعلق بفرض حظر تكنولوجي أو عقوبات لحماية تقنياتها الدفاعية، أو تحتاج للانخراط في مفاوضات دبلوماسية معقدة للحفاظ على الهند ضمن دائرتها الاستراتيجية.
الجدير بالذكر أن السياق التاريخي لصفقات الأسلحة الهندية الأمريكية مقابل التعاون العسكري الروسي الهندي يعكس تعقيدًا إضافيًا، حيث أن قضايا الثقة، ولا سيما بعد فشل برنامج FGFA، قد تؤثر على القرارات الحالية.
فرص جديدة للطائرات الروسية
شوجايف كان قد أشار سابقًا إلى قدرات Su-57، خاصة بعد إثبات فعاليتها القتالية في أوكرانيا. ومع صعوبة رصدها من قبل الأنظمة الغربية مثل NASAMS وPatriot، تستغل روسيا هذه اللحظة للترويج لـ Su-57 ليس فقط كقطعة عتاد بل كرمز للقدرة العسكرية الروسية المستدامة.
تُشير تصريحات شوجايف إلى أن روسيا تتطلع إلى ما هو أبعد من مجرد المبيعات، مع تقديم إطار للتعاون المشترك قد ينطوي على نقل التكنولوجيا والتطوير المشترك. ويعكس هذا النهج التعاون السابق، لا سيما برنامج الطائرات المقاتلة من الجيل الخامس FGFA الذي تم التخلي عنه في 2018 بسبب مشكلات تتعلق بتجاوز التكاليف، ونزاعات حول نقل التكنولوجيا، وقضايا الأداء.
ماذا عن مقاتلة Su-57E؟
تعود قصص العلاقة بين الهند ومقاتلة Su-57 إلى أكثر من عقدين، حيث كانت شهدت تذبذباً بين حلم التعاون وواقع التوقعات غير المحققة. وقد كان برنامج FGFA جزءًا من خطة طموحة لإنشاء طائرة مصممة خصيصًا لصالح سلاح الجو الهندي، تتضمن 43 تحسينًا مقارنة بالنسخة الأساسية من Su-57.
ومع ذلك، واجه برنامج FGFA مشاكل منذ بدايته، حيث تصادمت مطالب الهند بتوفير نقل التكنولوجيا مع تردد روسيا في مشاركة معلومات حساسة. أدت الخلافات بشأن تقاسم التكاليف، ومواصفات الطائرة، وسرعة التطوير إلى انسحاب الهند من البرنامج في 2018.
الاحتمالات المستقبلية
تقدم روسيا الآن مقاتلة Su-57E، النسخة المصدرة مباشرة كمنتج جاهز، مع إمكانية التجميع المحلي في إطار المبادرة الهندية “صنع في الهند”. يتضمن العرض وعدًا بنقل التكنولوجيا، ولكن ليس بنفس القدر الذي تم تخيله في إطار برنامج FGFA.
لقد تطورت الطائرة مع محركات جديدة، AL-51 Stage-2، توفر قدرات الطيران السريع دون الحاجة إلى حارق خلفي، وهي قضية مهمة تمت مناقشتها خلال مباحثات FGFA. لكن Su-57E المقترحة حاليًا تفتقر للدرجة نفسها من التخصيص التي كان من المؤمل تحقيقها عبر FGFA.
التحديات قائمة
تتسم المقاتلة المعروضة بقوة ومتانة، مما يجعلها قادرة على سد الفجوة حتى تصبح مقاتلة AMCA الهندية محلية الصنع ناضجة. ورغم ذلك، فإن العرض الروسي يأتي مع مجموعة من التحديات، بما في ذلك المخاوف بشأن قدرات التخفي، وموثوقية المحرك، وفعالية القتال العامة.
سيكون قرار سلاح الجو الهندي معتمدًا على موازنة الاحتياجات التشغيلية الفورية مقابل الاستقلال الاستراتيجي على المدى الطويل. في الوقت الذي كان يرتبط فيه برنامج FGFA بالتعاون والتكامل العميق، يتمحور العرض الحالي حول الحصول على طائرة قتالية من الجيل الخامس مع بعض التصنيع المحلي، بعيدًا عن الاستثمار الكبير في البحث والتطوير المشترك الذي ميز مشروع FGFA.