لماذا يلحدون؟!.. في إطار دورته الـ 55، يُعرض في جناح الأزهر الشريف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب إصدارٌ جديد يلقي الضوء على جوانب معرفية للإلحاد المعاصر، يتساءل الكتاب الذي جاء تحت عنوان: “الجانب المعرفي للإلحاد.. عرض ونقد” عن مدى ارتباط الإلحاد بـ”القلق المعرفي” و”التوتر النفسي”، ويجيب الكتاب على تساؤل مهم وهو السبب وراء دوافع الإلحاد.
الجانب المعرفي للإلحاد.. عرض ونقد
الكتاب ضمن إصدارات مجمع البحوث الإسلامية، وكتبه الدكتور حمد عبد المجيد إسماعيل حمد، والذي يكشف فيه عن تحليل عميق لحالة الإلحاد المعاصر، حيث يرى المؤلف أن الإلحاد ليس ظاهرة حديثة، وأن الحالة الإلحادية قديمة أو جديدة واحدة ومتفقة في معانيها، لكنها تختلف في صياغاتها ومبانيها بحسب تعدُّد الأزمنة، واختلاف الأحوال والظروف، ومكتشفات يحسب الملاحدة أنها تسند “الإلحاد”، وترفض “الإيمان.
أسباب الإلحاد
يسلط الكتاب الضوء على تعدد الأسباب والظروف التي قد تدفع ببعض الأفراد إلى الإلحاد، مستعرضًا مفهوم “القلق المعرفي” و”التوتر النفسي” كعوامل تتداخل في تشكيل حالة الإلحاد، وفي رؤية المؤلف، يعتبر الإلحاد المعاصر حالة من الاضطراب تتسم بتشوُّش الفهم وتناقض الآراء، حيث يجد بعض المُلحدين أنفسهم ينفون مواقف سابقة لهم في سياق آخر.
يبرز الكتاب أهمية فهم تلك الحالة الإلحادية، حيث يقدم تحليلاً علمياً دقيقاً ولغة راقية لتسليط الضوء على هذا الظاهرة، ونظرًا لأهمية الكتاب قرر الأزهر نشره ليكون مرجعًا فكريًا يسهم في تصحيح الفهم والتفاهم بين المتدينين والمُلحدين، في محاولة لتصحيح المسار لمَنِ انتكست فِطرتهم؛ فأنكروا وجود الله تعالى وتنكَّروا للخالِقِ سبحانه.
العلم التجريبي
ويستعرض الدكتور حمد عبد المجيد، في كتابه، أهمية “العلم التجريبي” في تحصيل المعرفة، لكنه في الوقت نفسه ليس الطريق الوحيد لاستنباط المعارف الشاهدة والغائبة، وليس طريقًا وحيدًا لاستنبات البِنى المعرفيَّة التي تتنوَّع وتتعدد بتنوع المجالات والميادين العلمية الحياتية، وينحصر دورُه في القضايا الأساسية المتصلة بـ «الله» و «الإنسان» – في كونه داعمًا لما أسَّسه “العقل»، وما دام «العقل» يُقرِّر إثبات “الوجود الإلهي»، فـ «العلم» تبع له في تقرير ذلك، وكاشف له.
الكتاب يشدد على أن الاكتشافات العلمية المعاصرة تعتبر دعمًا قويًا للإيمان بوجود إله فاعل ومدبر، مؤكدًا بذلك صحة الرؤية الدينية، خاصة التفسير الإسلامي الذي يجمع بين مطلق التقديس مع كمال التَّنزيه، ويُوصى في الكتاب بضرورة إيجاد صيغة وإطار إشرافي مشترك لعرض النتائج العلمية أمام أقسام العقيدة والفلسفة، لتحديد الكلمة الأخيرة في السياق الفلسفي، وذلك بمراعاة المقتضيات الدينية والتمييز بين المجالات المتنوعة.
كما يدعو الكتاب إلى إنشاء مركز متخصص في دراسات الملف الإلحادي، يتناول تأثيرات الإلحاد على العقائد والمعرفة والنفس والمجتمع بطريقة نقدية ومواجهة.
أبواب الكتاب
ويتألف الكتاب من مقدمة واثنين من الأبواب وخاتمة.. يبدأ الباب الأول بعنوان “التعريف بالإلحاد المعاصر”، والذي يتألف من ثلاثة فصول، حيث يبحث الفصل الأول في مفهوم الإلحاد المعاصر وسماته، في حين يركز الفصل الثاني على المستند الفلسفي له، والفصل الثالث يتعمق في المستند العلمي له.
أما الباب الثاني، فيأتي بعنوان: “منهج المعرفة الإلحادية المعاصرة.. عرض ونقد”، ويتألف من فصلين، يقوم الفصل الأول بتعريف “النزعة العِلموية”، بينما يُخصص الفصل الثاني لنقد هذه النزعة العلموية.
وتضمن خاتمة الكتاب جملة من النتائج المهمة والتوصيات الجادة.. ويعتبر هذا الكتاب إضافة قيمة للدراسات حول الإلحاد المعاصر وتفحص المعارف المرتبطة به.
خطورة الإلحاد على الفرد والمجتمع
وبعيدا عن الكتاب، فإن الإلحاد، بوصفه انحرافًا عن المعتقدات الدينية، يُشكل تحديًا خطيرًا على الفرد والمجتمع بشكل عام، وتتجلى خطورة الإلحاد في الآثار العقائدية والاجتماعية التي قد تنعكس على النفسية الفردية والهيكل الاجتماعي للمجتمع، حيث يسفر الإلحاد عن فقدان الفرد للهوية الدينية، وبالتالي فقدان الهدف والدلالة في الحياة، ويعاني الأفراد الملحدين نفسيًا من التوتر الناجم عن تضارب المعتقدات والقيم العقائدية.
أما عن التأثير الاجتماعي، فإنه الإلحاد يسهم في تفكيك القيم الاجتماعية المشتركة، مما قد يؤدي إلى ضعف الروابط الاجتماعية والتضخم الفردي، ويتسبب الإلحاد في تباين القيم بين الفرد والمجتمع، مما يؤدي إلى توترات اجتماعية.
ويشكل خطورة على الأخلاق والسلوك، إذ يؤدي الإلحاد إلى فقدان الأساس الديني للأخلاق، مما يتسبب في تدهور القيم الأخلاقية، ويشجع على سلوكيات متناقضة مع التقاليد الدينية، ويؤدي إلى ضعف الهوية الثقافية للمجتمع، مما يزيد من التشتت وضعف الوحدة، ويؤثر على الاستقرار الاجتماعي.
العام الثامن في معرض القاهرة الدولي للكتاب
ويشارك الأزهر الشريف بجناحٍ خاصٍّ للعام الثامن على التوالي في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 55، ومن المقرر أن يبدأ المعرض في 24 يناير المقبل ويستمر حتى 6 فبراير 2024، ويأتي هذا الجناح كتجسيد للمسؤولية التعليمية والدعوية للأزهر في نشر الفكر الإسلامي المستنير الذي رافقه طوال أكثر من ألف عام.
ويقع جناح الأزهر في المعرض في قاعة التراث رقم “4”، على مساحة تقدر بنحو ألف متر مربع، ويضم عدة أركان، منها قاعة الندوات، وركن للفتوى، وركن الخط العربي، فضلًا عن ركن للأطفال والمخطوطات.