أزاحت روسيا الستار عن مشروع جديد لإنشاء مصنع لتصنيع الطائرات المسيّرة في بيلاروسيا، وهو ما من شأنه زيادة طاقتها الإنتاجية من الطائرات بدون طيار بشكل ملحوظ وسط استمرار الحرب في أوكرانيا.
مخطط المصنع الجديد
خلال معرض للطائرات المسيّرة المتطورة الروسية، قدم مكسيم أوريشكين، نائب رئيس هيئة الكرملين، تفاصيل المشروع الذي سيمكن المصنع من إنتاج ما يصل إلى 100,000 طائرة مسيّرة سنويًا. وأعرب الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الذي حضر الحدث، عن حماسته للمبادرة، مشيرًا إلى استعداد مينسك لاستقبال المصنع والتعاون مع موسكو في تطويره.
جاء الإعلان، وفقًا لتقارير وسائل الإعلام الرسمية البيلاروسية، في وقت تسعى فيه روسيا لتعزيز تفوقها التكنولوجي والعسكري، مع الاستفادة من تحالفها الوثيق مع بيلاروسيا لزيادة الإنتاج قرب الحدود الشرقية لحلف الناتو. على الرغم من أن تفاصيل مثل موقع المصنع والجدول الزمني للبناء لا تزال قيد التفاوض، فإن الاقتراح يعكس عمق التعاون المتزايد بين الدولتين في ظل تصاعد التوترات الإقليمية.
التزام بيلاروسي قوي
أوضح أوريشكين أن المشروع يعد خطوة نحو تعزيز سيادة بيلاروسيا، مشيرًا إلى أن المصنع سيعمل على منصة تكنولوجية موحدة مع المرافق الروسية، مما يضمن الكفاءة والقابلية للتوسع. وقد صرح أوريشكين للصحفيين: “من الضروري لبيلاروسيا أن تمتلك قدرات إنتاجية خاصة بها، مما يقوي اقتصادها وأمنها”.
من جانبه، أكد لوكاشينكو لزعماء بلاده من روسيا التزامه بالمشروع، قائلاً: “نحن مستعدون لبناء هذا المصنع، وأضمن أنه سيتم إنجازه بجودة لا تضاهى في روسيا.” واقترح أيضًا إرسال متخصصين بيلاروسيين إلى روسيا للتدريب المتقدم في تقنية الطائرات المسيّرة، وذلك لتسريع تنفيذ المشروع.
أهميات عسكرية واستراتيجية
العرض الذي تم تنظيمه أبرز مجموعة متنوعة من الطائرات المسيّرة الروسية، ابتداءً من النماذج الزراعية وحتى تلك التي تشبه التصاميم العسكرية مثل طائرة الاستطلاع زالا F-16، لكن المسؤولين لم يؤكدوا بعد ما إذا كان المصنع سيركز على الأنظمة المدنية أو العسكرية. من المتوقع أن تساعد المفاوضات بين موسكو ومينسك في تحديد تفاصيل تلك الأنظمة في الأشهر القادمة، مع مشاورات مع خبراء الطائرات المسيّرة المحددة لشهر أبريل ومايو.
يأتي هذا الاقتراح ضمن استراتيجية روسيا الأوسع لمواصلة جهودها العسكرية في أوكرانيا، حيث تحولت الطائرات المسيّرة إلى حجر الزاوية في الحروب الحديثة. منذ بداية النزاع في فبراير 2022، اعتمدت روسيا بشكل كبير على الأنظمة غير المأهولة لأغراض الاستطلاع، والضربات المستهدفة، وكسر دفاعات أوكرانيا.
زيادة القدرة الإنتاجية الروسية
من شأن المنشأة المقترحة في بيلاروسيا أن تعزز بشكل كبير شبكة الإنتاج للطائرات المسيّرة الروسية، التي نمت باستمرار على مدار السنوات الثلاث الماضية. في سبتمبر 2024، أفاد المسؤولون الروس أن البلاد يمكنها بالفعل إنتاج 1.4 مليون طائرة مسيّرة سنويًا، من مواقع عميقة داخل أراضيها، مثل تتارستان.
على سبيل المثال، صارت المنطقة الاقتصادية الخاصة في ألابوغا في تتارستان نقطة محورية، حيث تتواجد تقارير تفيد بإنتاج الآلاف من الطائرات المسيّرة الإيرانية التصميم من طراز شهاب-136، والمعروفة في روسيا باسم جيران-2، منذ عام 2023.
تحديات وتركزات إنتاجية
تشير الوثائق المسربة التي تم تحليلها من قبل وسائل الإعلام الغربية مثل الواشنطن بوست إلى أن ألابوغا كانت تهدف إلى إنتاج 6,000 شهاب بحلول منتصف عام 2025، وهو هدف قد تكون تجاوزته قبل الموعد المحدد، حيث قدرت الاستخبارات الأوكرانية تصنيع أكثر من 5,700 وحدة في الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 فقط.
علاوة على ألابوغا، تنوعت جهود الإنتاج الروسي. وساعدت مجموعات المتطوعين في تعزيز الإنتاج الرسمي من خلال طائرات مسيّرة أرخص، تم تجميعها غالبًا في ورش صغيرة منتشرة في جميع أنحاء البلاد. في عام 2023، كشفت الاستخبارات الأمريكية أن إيران كانت تساعد روسيا في بناء مصنع للطائرات المسيّرة في يلابوغا، تتارستان، مما يوضح اعتماد موسكو على الشراكات الخارجية.
القلق الجيوسياسي
ستسلط إنشاء مصنع للطائرات المسيّرة في بيلاروسيا الضوء على القضايا الأمنية في شرق أوروبا. يقع المصنع على بُعد أميال قليلة من أعضاء حلف الناتو الشرقيين، مما سيزيد من القلق في وارسو وفيلنيوس وريفغ، حيث زادت الميزانيات الدفاعية استجابةً للتهديدات المتصورة من موسكو ومينسك.
تعد هذه الأمة، إلى جانب إستونيا، جزءًا من تحالف من ست دول تخطط لإنشاء “جدار طائرات مسيّرة” لمراقبة حدودها، وهو مشروع أُطلق بسبب حوادث مثل دخول 151 طائرة مسيّرة روسية شهاب إلى الفضاء الجوي البيلاروسي في نوفمبر 2024. ستجعل قرب المصنع هذه الاستراتيجية أكثر تعقيدًا، مما يمنح روسيا موقعًا متقدمًا للطائرات المسيّرة التي قد تستهدف أوكرانيا أو تختبر دفاعات التحالف.
مع استمرار المحادثات، فإن مصنع الطائرات المسيّرة في بيلاروسيا لا يزال اقتراحًا يحمل إمكانيات عظيمة وقلقًا واسعًا. يتوقف تحقيقه على التنسيق الفني، والتمويل، والإرادة السياسية لقادتين يتنقلان في مشهد متقلب. حتى الآن، يقف المشروع كرمز لطموح روسيا في الحفاظ على آلة الحرب الخاصة بها واستعداد بيلاروسيا لدعم هذا الجهد، وهي شراكة قد تعيد تشكيل معالم الصراع الذي لا يظهر عليه أي علامات للهدوء.