الأحد 29 سبتمبر 2024
spot_img

نظام PHC والخصوصية الرقمية

مستقبل الذكاء الاصطناعي.. نظام جديد للتفرقة بينه وبين البشر!

مع التطور السريع الذي يشهده العالم الرقمي في مجال الذكاء الاصطناعي وتقنيات التعلم الآلي، أصبحت هذه التقنيات تهدد الهوية الرقمية بقدرتها على محاكاة السلوك البشري بدقة متناهية، الأمر الذي يثير العديد من المخاوف والنقاشات واستدعى من الخبراء البحث عن أساليب جديدة لضمان التفريق بين الإنسان والآلة في هذا العالم الرقمي المتطور.

التمييز بين الإنسان والذكاء الاصطناعي

خلال السنوات الأخيرة، تزايدت المخاوف من صعوبة التمييز بين البشر وتقنيات الذكاء الاصطناعي لأسباب متعددة، من أبرزها:

التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي: شهدت تقنيات الذكاء الاصطناعي تطورًا كبيرًا حيث أصبحت قادرة على إنتاج محتوى متقن للغاية يشبه ما ينجزه الإنسان، سواء كان نصوصًا مكتوبة، أو صورًا، أو حتى تسجيلات صوتية.

بالإضافة إلى ذلك، تتمكن هذه التقنيات من تقليد سلوكيات البشر بشكل متقن، مثل القدرة على اجتياز اختبارات وألغاز CAPTCHA التي كانت مصممة للتمييز بين الإنسان والآلة.

تقدم روبوتات المحادثة: أصبحت روبوتات الدردشة المتقدمة قادرة على إجراء حوارات معقدة وطبيعية بشكل يجعل من الصعب على الأشخاص التفريق بينها وبين المحادثات التي يجريها البشر، مما يزيد من التحدي في التمييز بين الإنسان والآلة.

تهديدات الأمن السيبراني المتزايدة: تستغل الجهات الخبيثة قدرات الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى مزيف على نطاق واسع وبمستوى إتقان عالٍ، مما يسهل عملية نشر الشائعات، وإثارة الفوضى، والتلاعب بالرأي العام.

نظام جديد للتحقق من الهوية الرقمية

وللتصدي لهذه التحديات وحفاظا على الهوية الرقمية، ظهر نظام جديد يطلق عليه “PHC” وهووثيقة إثبات الهوية البشرية – PersonHood Credential، والتي قدمها مجموعة من الباحثين المتخصصين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعات أخرى وشركات كبرى متخصصة في الذكاء الاصطناعي مثل OpenAI ومايكروسوفت، وهو نظام يهدف إلى تأكيد هوية مستخدمي الخدمات الرقمية بشكل قاطع وضمان أنهم بشر وليسوا روبوتات.

يُعتبر هذا النظام بديلاً مبتكرًا للطرق التقليدية في التحقق، مثل نظام CAPTCHA، الذي أصبح أقل فعالية أمام التطورات الحديثة في الذكاء الاصطناعي.

يعتمد نظام PHC على وثيقة هوية رقمية فريدة يتم إصدارها من قبل الحكومات أو الشركات للمستخدمين، وتستند إلى تقنية تشفير متطورة تُعرف باسم “إثبات المعرفة الصفرية – Zero Knowledge Proof”.

هذه التقنية تتيح التحقق من هوية المستخدم دون الحاجة للكشف عن أي معلومات شخصية حساسة، مما يوفر مستوى عاليًا من الحماية والخصوصية.

ويمكن تخزين هذه الوثائق الرقمية في أجهزة المستخدمين، مما يوفر لهم حماية إضافية وخصوصية معززة، وبذلك يمكن لهذه الوثائق أن تكون بديلاً مستدامًا عن أنظمة التحقق التقليدية مثل CAPTCHA والقياسات البيومترية كالبصمات.

تحديات نظام PHC الجديد

قد يكون نظام وثيقة إثبات الهوية البشرية (PHC) مقترحًا واعدًا من قبل الباحثين من أجل التحقق من الهوية الرقمية، ولكنه يواجه العديد من التحديات التي قد تؤثر في نجاحه وتطبيقه العملي، من أبرز هذه التحديات:

احتمال تزوير الوثائق أو بيعها: إذ يُحذر الباحثون من أن الوثائق الرقمية قد تصبح هدفًا للبيع غير القانوني، مما يسهل على الجهات الخبيثة استخدام هذه الوثائق في نشر محتوى مزيف، وبالتالي تقويض مصداقية النظام ككل.

مركزية السلطة ومسؤولية الإصدار: نظرًا لأن إصدار هذه الوثائق سيكون محصورًا في جهة معينة، سواء كانت حكومية أو خاصة، ستتمتع هذه الجهة بسلطة كبيرة، وهذا التركيز للسلطة يعرض النظام لهجمات سيبرانية محتملة، مما قد يهدد أمان النظام بأكمله ويجعل الجهة المسؤولة عن الإصدار هدفًا للمتسللين.

خطر الاحتكار الرقمي: قد يؤدي نظام PHC إلى تعزيز الاحتكار الرقمي إذا كانت سلطة إصدار الوثائق محصورة في عدد قليل من الحكومات أو الشركات الكبرى، وهذا الاحتكار قد يحد من المنافسة ويؤثر في حقوق المستخدمين، حيث يمكن أن تتحكم هذه الجهات في كيفية استخدام الوثائق الرقمية، مما يحد من حرية التفاعل بين الأفراد والخدمات الرقمية.

صعوبة التعامل: يشير الباحثون إلى أن الفئات العمرية الأكبر سنًا، تكون أكثر عرضة للاحتيال الإلكتروني، وأنها قد تواجه صعوبة في التعامل مع هذا النظام الجديد.

لذلك يقترح الباحثون ضرورة إجراء تجارب محدودة النطاق لتقييم مدى ملاءمة نظام PHC لمختلف الفئات العمرية.

PHC و Worldcoin

نظام (PHC) يتشابه في بعض جوانبه مع أنظمة أخرى مثل (Worldcoin)، وهو مشروع تقوده شركة عالمية بإدارة سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI.

يعتمد (Worldcoin) على تقنية متقدمة لمسح قزحية العين للتحقق من هوية المستخدمين، ويهدف إلى تأمين الوصول إلى الخدمات الرقمية مع ضمان عدم استغلالها من قبل روبوتات الذكاء الاصطناعي.

وأوضح الباحثون الذين طوروا نظام (PHC) أن هدفهم ليس تقديم بديل مباشر لنظام (Worldcoin)، بل وضع معايير أساسية يجب أن تتوفر في أي نظام للتحقق من الهوية الرقمية، وأكدوا على ضرورة وجود أنظمة متعددة للتحقق من الهوية، ما يمنح المستخدمين خيارات متنوعة ويمنع أي جهة واحدة من السيطرة على هذه العملية بالكامل.

حماية الخصوصية الرقمية

يواجه المستخدمون تحديات جديدة مع نظام وثيقة إثبات الهوية البشرية (PHC)، إذ أنهم مطالبون بالتعامل مع مخاطر تقنيات الذكاء الاصطناعي التي طورتها شركات التكنولوجيا دون تقديم حلول فعالة لمشكلات مثل البريد العشوائي والمعلومات المضللة، وهذا يتعارض مع هدف هذه الأنظمة اللتي تواجدت لتسهيل حياة المستخدمين.

كان من المفترض أن تتحمل شركات التكنولوجيا مسؤولية معالجة المشاكل التي تسببت فيها بدلاً من ترك المجتمع يواجه التحديات بمفرده، حيث يشير أحد الباحثين في مجال الخصوصية “كريس جيليارد” إلى أن هذه الأنظمة تدفع الأفراد لتغيير سلوكهم بدلاً من أن تركز الشركات على تطوير تقنيات أكثر أمانًا ومسؤولية.

مستقبل الذكاء الاصطناعي.. التحديات والحلول

يرى الخبراء أن التحقق من الهوية الرقمية ليس الحل الشامل لمشكلة التمييز بين البشر والآلات، فعلى الرغم من القدرة على تحديد الهوية بدقة لن يمنع ذلك الروبوتات من التأثير على المجتمع بطرق أخرى، مثل نشر المعلومات المضللة والتلاعب بالرأي العام.

من الناحية النظرية، تبدو الحلول التي تقدمها شركات التكنولوجيا للتمييز بين البشر والآلات واعدة، لكن في الواقع تكشف هذه الحلول عن محاولة الشركات التهرب من مسؤولية معالجة الآثار السلبية لتقنياتها التي صُممت أصلاً لتسهيل حياة المستخدمين، وبدلًا من معالجة مشاكل مثل انتشار المعلومات المضللة التي تسببها نماذج الذكاء الاصطناعي، تقوم هذه الشركات بتحميل العبء على عاتق المستخدمين والمجتمعات.

كان يمكن لشركات التكنولوجيا اتخاذ خطوات مثل وضع علامات مائية على المحتوى الذي تنتجه نماذج الذكاء الاصطناعي أو تطوير أدوات دقيقة للكشف عن المحتوى المزيف.

ورغم أن هذه الحلول ليست مثالية، فإنها تضع المسؤولية على الجهات التي تسببت في المشكلة، وإذا تخلت شركات التكنولوجيا عن مسؤولياتها، فإن ذلك سيشكل وصمة جديدة في سجل وادي السيليكون، الذي اشتهر بتقديم تقنيات دون التفكير في عواقبها، كما هو الحال مع مشكلة المحتوى المزيف.

الخلاصة أن التمييز بين الإنسان والآلة يمثل تحديًا كبيرًا في العصر الرقمي، وعلى الرغم من أن نظام (PHC) يسعى إلى تقديم حل لهذه المشكلة، إلا أنه في الواقع ينقل العبء إلى المستخدمين مجددًا، ويثير تساؤلات حول الخصوصية والأمن والمسؤولية.

كان من الأفضل والأهم أن تعمل شركات التكنولوجيا على تطوير حلول شاملة ومستدامة تمكن المستخدمين من الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي مع الحفاظ على خصوصيتهم دون تحميلهم عبء مواجهة هذه التحديات بمفردهم.

الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي

اقرأ أيضا

اخترنا لك