رحلة ليلة الإسراء والمعراج تلك المعجزة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، لتظل خالدة للعالمين، كرم بها رب العزة جل وعلا رسوله ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم؛ فسبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى!!.
تاريخ ليلة الإسراء والمعراج
أوضح أ. د. شوقي علام، مفتي الديار المصرية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن المشهور من أقوال العلماء هو أن رحلة الإسراء والمعراج وقعت في شهر رجب، مشيرا إلى أن الأقوال قد اختلفت في تحديد زمن هذه الرحلة، وأن تحديده في يوم الـ27 من شهر رجب، حكاه كثيرٌ من الأئمة واختاره جماعةٌ من المحققين، وهو ما جرى عليه عمل المسلمين قديمًا وحديثًا.
رحلة الإسراء والمعراج حلم أم حقيقة!
يقول الشيخ الدكتور عبد اللطيف عبد الغني، مفتي الديار المصرية الأسبق -الذي توفي عام 1985م-، إن جمهور العلماء من المحدثين والمتكلمين والفقهاء أكدوا أنّ رحلة الإسراء والمعراج وقعت بالفعل لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحدثت له بفضل الله وقدرته؛ حيث سار به ليلًا -وهو في حالة يقظة- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهناك صلى إمـامـا بالملائكة والأنبياء عليهم السلام، ثم عُرِج به صلى الله عليه وسلم -و هو في حالة يقظة- من المسجد الأقصى في القدس إلى السماء العُلا، ومنها صعد إلى المقام الأعلى عند سدرة المنتهى.
وفي تلك الليلة، رأى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الجنة، فرأى ما أعده الله له ولأمته من النعيم والثواب لكي يطمئن قلبه ويُبَشّر المتقين، وكذلك رأى النار، ورأى ما أعده الله تعالى لأعدائه من العذاب الأليم، لينبه الغافلين وينذر الكافرين والمشركين.
وفي هذه الرحلة المباركة، فَرَضَ الله تعالى الصلوات الخمس على رسولنا محمد وعلى أمته ، ومنحه سبحانه منح عظيمة لم تكن لأحد من الأنبياء أو المرسلين قبله.
وأكد الشيخ عبد اللطيف عبد الغني، مفتي الديار المصرية الأسبق، إن هذه الأحداث والوقائع الإعجازية، ورد ذكرها في الكتاب والسنة، وأجمع عليها الصحابة وغيرهم، وأنه لا ينبغي لأحد العدول عنها، ولم ينكرها إلا المنحرفون المكابرون.
الدليل من القرآن الكريم
وتمر هذه الذكرى المباركة على المسلمين في مثل هذه الأيام المباركة من شهر رجب كل عام، وفيها نزل قول الله تعالي في الآية الأولى من سورة الإسراء: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ والإسراء -في الآية-: هو السير ليلًا، وكان الإسراء ليلًا لكمال التشريف ومزيد من الاحتفاء بالنبي الأمين، لأن الليل هو وقت الخلوة والصفاء، ووقت الاختصاص لأهل المودة والمحبة.
الإسراء.. الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
ويؤكد الشيخ عبد اللطيف عبد الغني، أن في هذه الآية الكريمة إثبات لأمرين عظيمين..
الإثبات الأول: إثبات اليقظة التامة في مسراه صلى الله عليه وسلم، والدليل على ذلك كلمة: ﴿سُبْحَانَ﴾ فهذه الكلمة العظيمة الإلهية تدل على أن الله قد منح رسوله أمرًا عظيمًا لم يمنح لأحدًا سواه، ألا وهو الإسراء وفي حالة يقظة، فلو كان منامًا -أي رؤية في المنام- ما كان أمرًا عظيمًا، وما بُدِئَتْ هذا الآية بكلمة التسبيح التي تدل على أمر عظيم منحه الله لرسوله وخصه به.
وأيضا قوله تعالى: ﴿أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ إذ العبد يطلق على الشخص بجزأيه الجسم والروح معًا، ولا يصح إطلاقه على أحد الجزأين، وكذلك قوله تعالى: ﴿مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ وهي مسافة حِسِّيَّة تبدأ بكلمة “مِن” وتنتهي بكلمة “إلى”، وهذه المسافات الحِسِّيَّة لا يقطعها إلا الجسد والروح معًا.
الإثبات الثاني: وهو إثبات السرعة، ففي الآية دليل ذلك، وهو قوله تعالى: ﴿لَيْلًا﴾ بلفظ التنكير الدال على تقليل مدة السير الصادقة بأقل جزء من الليل.
ما المقصود بـ﴿الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ﴾؟
أما المراد بالرؤيا الواردة في الآية الثانية من سورة الإسراء: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاس﴾ وعلاقتها بالإسراء والمعراج، فإنها تتحدث عن اليقظة والرؤيا التي أراها الله للنبي محمد صلى الله عليه وسلم خلال رحلته الليلية من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن ثم إلى سدرة المنتهى فوق السماوات العلى.
﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاس﴾ يُشير النص القرآني إلى أن هذه الرؤية كانت بصرية، أي أنها تمثل رؤية واقعية وليست منامية، وأن النبي حينما أخبر قومه عن ما رآه وشاهده بعينه من معجزة خارقة للعادة، دفع بعض أهل مكة إلى تكذيبه والتشكيك فيه، وكانت هذه هي الفتنة التي ذكرها الله في الآية ﴿إِلَّا فِتۡنَةً لِّلنَّاسِ﴾ وهم أهل مكة، حيث وقعت الفتنة، إذ البعض كَذَّبه ورماه بالسحر، والبعض ارتدَّ عن دينه.
رؤية جبريل في صورته الحقيقية
وقال مفتي الجمهورية المصرية الأسبق: إن الآية الثالثة من سورة النجم، يقول فيها رب العزة جل وعلا: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾ وفيها دليل على رؤية النبي الكريم لسيدنا جبريل عليهما السلام على صورته الحقيقية في رحلة الإسراء والمعراج.
وتفسير الآية: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ أي أن فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكذب بما رأه ببصره وهو جبريل عليه السلام على صورته التي خلق عليها وهو في السماء الرابعة.. ﴿أَفَتُمَارُونَهُ﴾ أي أفتجادلونه ﴿عَلَى مَا يَرَى﴾ والخطاب للمنكرين لهذه الرؤية التي رآها النبي بعينه، ولقد أقسم الله جلَّ جلاله، على أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل رؤية بصرية على صورته الأصلية مرة ثانية بقوله سبحانه: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾ أي رأى النبي جبريل على صورته التي خلق عليها رؤية بصرية مرة ثانية عند سدرة المنتهى لما عرج به إلى السماوات العلى، عند جنة المأوى: التي تأوي إليها أرواح الأنبياء والمتقين والشهداء والصالحين.
المعراج.. من المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى؟
ويستدل من الآية السابقة على إثبات أمرين عظيمين:
الأول: إثبات اليقظة التامة في عروجه صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿نَزْلَةً أُخْرَى﴾ إذ لو لم تكن الرؤية الثانية بصرية مثل الأولى ما صحّ قوله: ﴿نَزْلَةً أُخْرَى﴾ لاختلاف جهة الرؤية.
الأمر الثاني: إثبات العروج: ودليل ذلك وهو قوله تعالى: ﴿عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾ فكلمة “عند” ظرف يفيد أن الرائي والمرئي في مكان واحد.
المعراج بالروح أم بالجسد؟
أكد د. على جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، أن الإسراء والمعراج معجزة اختص الله بها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم تكريمًا له وبيانًا لشرفه صلى الله عليه وآله وسلم وليطلعه على بعض آياته الكبرى، مشيرا إلى أن جمهور العلماء اتفقوا على أن الإسراء حدث بالروح والجسد؛ لأن القرآن صرَّح بذلك، في قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ والعبد لا يطلق إلا على الروح والجسد.
وأشار علي جمعة، إلى أن الإسراء تحدث عنه القرآن الكريم والسنة المطهرة، وأما المعراج فقد وقع خلاف فيه هل كان بالجسد أم بالروح -أي رؤيا منامية-، وجمهور العلماء من المحققين على أن المعراج وقع للرسول بالجسد والروح معا وهو في حالة يقظة في ليلة واحدة، وما يراه بعض العلماء من أن المعراج كان بالروح فقط أو رؤيا منامية فإن ذلك الرأي لا يعول عليه؛ لأن الله سبحانه وتعالى قادرٌ على كل شيء.
وأضاف: إذا كان القرآن الكريم قد تحدث عن الإسراء صراحة وعن المعراج ضمنًا، فإن السنة جاءت مصرحة بالأمرين الإسراء والمعراج، مشيرا إلى أن الرسول الكريم قد أُسْرِيَ به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بالقدس، ثم عُرج به صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى إلى السماء العلا بروحه وجسده معا.
حديث الإسراء والمعراج كامل
وردت في الإسراء والمعراج أحاديث كثيرة منها حديثه الطويل عن رحلة الإسراء والمعراج، والذي يستدل منه أن رحلة الإسراء والمعراج كان حَدَثَا واحدا وقعا معًا؛ بدليل أن النبي الأمين أخبرنا عنهما في حديث واحد، إذ أنه لو كان قد حدث كل منها منفردا لكان لكلّ منهما حديث مستقل، ويدل الحديث أيضا أن الرحلة حدثت أثناء يقظته صلى الله عليه وسلم بدليل الاستفتاح في كل سما والترحيب.
حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج
قال أ. د. شوقي علام، مفتي الديار المصرية، إن المعتمد من أقوال العلماء أنَّ الإسراء والمعراج وقع في ليلة سبعٍ وعشرين من شهر رجبٍ، وأن احتفال المسلمين بهذه الذكرى في ذلك التاريخ بشتَّى أنواع الطاعات والقربات هو أمرٌ مشروعٌ ومستحب؛ فرحًا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمًا لجنابه الشريف، وأما الأقوال التي تحرِّمُ على المسلمين احتفالهم بهذا الحدث العظيم فهي أقوالٌ فاسدةٌ، ولا يجوز الأخذ بهذه الآراء أو التعويل عليها.
أدعية ليلة الإسراء والمعراج
هناك الكثير من الأدعية التي يمكن للمسلمين الدعاء بها في ليلة الإسراء والمعراج، ومن الأفضل أن يدعوا المسلم بما في قلبه فالله قريب مجيب
“اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك، عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي”.