معاناة متصاعدة يواجهها الموظفون الليبيون شهريًا، بسبب العمولات المصرفية المتزايدة ونقص السيولة النقدية، ما يقلل من قيمة رواتبهم بشكل ملحوظ. هذا الوضع يفرض تحديات اقتصادية واجتماعية على المواطنين، ويستدعي حلولاً عاجلة.
تأخر الرواتب وعمولات السحب
يروي لؤي محمد، موظف حكومي، معاناته مع تأخر إيداع الراتب والعمولات المتعددة عند السحب، سواء من المصارف أو مكاتب الصرافة. ويؤكد أنه يحصل على أقل من 80% من راتبه بسبب هذه الاقتطاعات.
شهادات مماثلة تتداول على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تعكس استياء الليبيين من “الاقتطاع المقنن” من رواتبهم، مما يزيد الأعباء المعيشية.
رسوم الصراف الآلي
وفقًا لتعليمات مصرف ليبيا المركزي، تحددت عمولة السحب النقدي عبر الصراف الآلي بـ0.5 دينار لكل 100 دينار مسحوب، وذلك في أكتوبر الماضي. سعر صرف الدولار في السوق الرسمية 5.45 دينار، وفي السوق الموازية 7.77 دينار.
إلا أن الواقع يشير إلى تجاوزات، حيث تفرض بعض المصارف رسومًا تصل إلى 10 دنانير على عملية السحب الواحدة، بحسب ما ذكرته مها، موظفة من بنغازي. المواطنون يخسرون شهريًا مبالغ كبيرة مقابل خدمة كانت مجانية.
تحركات برلمانية لمواجهة الأزمة
أقرت لجنة المالية والتخطيط بالبرلمان الليبي بوجود “معاناة حقيقية” بسبب الخصومات والعمولات على سحب الرواتب. وأعلن نائب رئيس اللجنة، المهدي الأعور، عن اجتماع مرتقب مع المصرف المركزي وإدارات البنوك لمناقشة الأزمة.
تهدف اللجنة البرلمانية لوضع حلول تخفف الأعباء عن المواطنين، بعد تصاعد الشكاوى حول ارتفاع رسوم السحب عبر الصراف الآلي، والتي تصل إلى 5 دنانير لكل عملية، أي خسارة 15 دينارًا شهريًا عند سحب ألف دينار على ثلاث دفعات.
جهود المصرف المركزي والالتزام بالتعليمات
أكد الأعور أن بعض المصارف لم تلتزم بتعليمات المركزي بشأن تقليص العمولات. وأشار إلى مساعي المصرف المركزي لضبط النظام المصرفي وفرض عقوبات على الإدارات المخالفة، بهدف توحيد الإجراءات وتقليل الاستقطاعات.
في وقت سابق من العام الحالي، طالب المصرف المركزي أربعة بنوك بإعادة نحو 85 مليون دينار للمواطنين، بعد سحبها كرسوم عبر نقاط البيع، وفقًا لوسائل إعلام محلية.
مخالفات القطاع المصرفي الموازي
أوضح الخبير الاقتصادي علي الصلح أن المصرف المركزي هو الجهة المخولة بتحديد العمولات المصرفية، لكن بعض المصارف استغلت العمولة لزيادة أرباحها على حساب المواطنين. وأضاف أن نسبة التعامل النقدي إلى الإيداعات ارتفعت، مما يعكس أزمة ثقة بالجهاز المصرفي.
نقص السيولة النقدية دفع الكثيرين للتعامل مع مكاتب صرافة تقتطع ما بين 15 و25% من قيمة الراتب مقابل توفير السيولة. الإعلامي الليبي خليل الحاسي وصف هذه الممارسات بأنها “استسلام لعصابات مالية تستحوذ على ربع رواتب الليبيين”.
شركات الصرافة والسوق السوداء
حتى يوليو الماضي، منح المصرف المركزي تراخيص لـ 187 شركة ومكتب صرافة لتغطية مختلف المناطق. خبراء يرون أن الكثير منها تحول إلى قطاع موازٍ أشبه بالسوق السوداء.
يرى الصلح أن بعض هذه المكاتب تعمل خارج الإطار المصرفي الرسمي وتحقق أرباحًا عبر فساد بعض الإدارات المصرفية، مشددًا على أهمية التعامل عبر قنوات تضمن سلامة الأموال وشفافيتها.
تأثير الرواتب على النفقات العامة
تستحوذ المرتبات على نحو 60% من إجمالي النفقات العامة للدولة الليبية، مسجلة 51 مليار دينار منذ بداية العام الحالي وحتى سبتمبر، وفقًا لبيانات مصرف ليبيا المركزي.
رغم هذه الأرقام، يرى متابعون أن المواطن العادي لا يشعر بانعكاسها على حياته اليومية، خاصة مع راتب تستنزفه العمولات المتزايدة.


