مع تصاعد الحرب في السودان، وتوالي هزائم قوات الدعم السريع أمام الجيش السوداني، اتهم محمد حمدان دقلو -المعروف بـ”حميدتي” قائد قوات الدعم السريع- مصر بالتدخل العسكري في الصراع السوداني.
وزعم “حميدتي” مشاركة الطيران الحربي المصري في ضربات جوية استهدفت قواته، وردًا على هذه الادعاءات أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانًا رسميًا نفت فيه بشكل قاطع أي تدخل عسكري في السودان، مؤكدة أن هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة.
نفي قاطع وموقف ثابت
في بيانها، أكدت الخارجية المصرية أن الادعاءات التي أطلقها قائد قوات الدعم السريع تأتي في وقت تواصل فيه مصر جهودها المكثفة لوقف النزاع في السودان وحماية المدنيين، وتعزيز الاستجابة الدولية لخطط الإغاثة الإنسانية الموجهة للمتضررين.
وأشارت الخارجية المصرية إلى أن القاهرة لم تتوقف عن تقديم الدعم السياسي والإنساني للأطراف السودانية المتنازعة، موضحة أن مصر ستواصل التزامها بدعم أمن واستقرار السودان ووحدته أرضًا وشعبًا، ولن تتوانى عن توفير كل السبل الممكنة لمساعدة الأشقاء في مواجهة التداعيات الكارثية لهذه الحرب.
ودعت الخارجية المصرية المجتمع الدولي إلى “التأكد من الأدلة قبل تبني مثل هذه المزاعم”، مشددة على أن القاهرة تسعى لإيجاد حل سلمي للنزاع السوداني من خلال جهودها الدبلوماسية واستضافتها لمحادثات سياسية في وقت سابق من العام الجاري بين الأطراف السودانية.
ما وراء اتهامات قائد الدعم السريع للقاهرة!
اتهامات الدعم السريع ضد مصر تعكس موقفًا سياسيًا معقدًا يهدف إلى تحقيق عدة أهداف تكتيكية؛ فمنذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان في أبريل 2023، تحاول قوات الدعم السريع تصوير نفسها على أنها تقاوم “تدخلات خارجية”، وذلك في محاولة لتوجيه الانتباه بعيدًا عن الخسائر التي تتكبدها على الأرض، لا سيما بعد التقدم الذي أحرزه الجيش السوداني مؤخرًا في العاصمة الخرطوم وولاية سنار.
ويرى الخبراء أن التقدم العسكري للجيش السوداني، الذي أدى إلى تراجع قوات الدعم السريع من مناطق استراتيجية مثل جبل موية، دفع حميدتي إلى البحث عن طرف خارجي لإلقاء اللوم عليه، بهدف تعزيز صورته أمام أنصاره وإيجاد مبرر للخسائر.
وتأتي مزاعم الدعم السريع والتي تضمنت اتهام مصر باستخدام قنابل أمريكية في ضرب قواته من الجو وتدريب الجيش السوداني وإمداده بطائرات مسيرة كجزء من هذه الاستراتيجية، حيث يسعى حميدتي لتصوير قواته كضحية لقوى إقليمية متورطة في الصراع.
ضد الجيش السوداني
على المستوى الداخلي تحاول قوات الدعم السريع استخدام هذه الاتهامات لكسب تأييد بعض الفصائل السودانية ضد الجيش السوداني التي تنظر إلى أي تدخل خارجي بعين الريبة، أما على الصعيد الدولي فإن حميدتي يسعى من خلال هذه الاتهامات إلى إبعاد الأنظار عن الاتهامات الموجهة إلى قواته بالتورط في أعمال عنف عرقي واسعة النطاق، مما أثر بشكل كبير على الأوضاع الإنسانية في البلاد.
التداعيات الإنسانية لـ “الحرب السودانية”
منذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان، تجاوزت الأزمة الأبعاد العسكرية لتصبح كارثة إنسانية كبيرة؛ فقد أجبرت الاشتباكات المسلحة ما يقرب من 10 ملايين شخص على النزوح من منازلهم، وتفاقمت الأوضاع المعيشية مع تفشي الجوع وانتشار المجاعة والأمراض.
كما تصاعد العنف العرقي بشكل مقلق، مع اتهام العديد من المنظمات الدولية لقوات الدعم السريع بالمشاركة في أعمال العنف ضد مجموعات عرقية معينة.
مصر.. حمامة السلام للسودان
على الرغم من الاتهامات التي وجهها حميدتي، تواصل القاهرة جهودها الدبلوماسية لتعزيز الاستقرار في السودان، حيث تقف مصر على رأس الداعمين لوقف الحرب، وتستضيف محادثات سياسية بين الفصائل السودانية المتنازعة من اجل تحقيق السلام، وتساهم بشكل كبير في الجهود الدولية للإغاثة الإنسانية.
وفي الوقت الذي يحاول فيه “حميدتي” تبرير تراجعه الميداني من خلال اتهام مصر بشن ضربات جوية واستخدام قنابل أميركية، تظل القاهرة ثابتة في موقفها المعلن، داعية المجتمع الدولي إلى التحقق من الأدلة وتحري الحقائق قبل تصديق مثل هذه الادعاءات.
لعبة سياسية معقدة
ومع تصاعد التوترات في السودان، يبدو أن الاتهامات الموجهة إلى مصر هي جزء من لعبة سياسية معقدة يسعى من خلالها الدعم السريع إلى تحقيق مكاسب على عدة جبهات، يبقى واضحًا أن مصر تواصل التركيز على حل سياسي للأزمة، مع رفضها القاطع لأي محاولات لزجها في الصراع.