spot_img
الأربعاء 31 ديسمبر 2025
21.4 C
Cairo

كيف أخفى نظام الأسد آثار جرائمه ضد الإنسانية

spot_img

تظهر آلاف الوثائق السرية، إلى جانب شهادات مسؤولين سابقين وشهود عيان، منظومة معقدة أنشأها النظام السوري تحت حكم بشار الأسد بهدف إخفاء الأدلة على الجرائم المرتكبة خلال الحرب الأهلية. تأتي هذه الخطوات كجزء من استراتيجية منهجية للتهرب من المساءلة على الصعيد الدولي.

في خريف 2018، ومع تفاقم التسريبات المتعلقة بالمقابر الجماعية ومراكز التعذيب السرية، عقد كبار المسؤولين الأمنيين السوريين اجتماعاً في القصر الرئاسي بدمشق. وقد وُصف هذا الاجتماع بأنه الأكثر حساسية منذ بداية النزاع، حيث اجتمع رؤساء الأجهزة الأمنية في مواكب من سيارات الدفع الرباعي السوداء.

حسب مصادر مطلعة، ناقش الحضور سبل “تحسين إخفاء الآثار” مع تصاعد المخاوف من أن تتحول الوثائق الرسمية إلى أدلة تدين النظام في المحاكم الدولية. خلال الاجتماع، اقترح أحد المسؤولين الأمنيين حذف هوية المعتقلين الذين قضوا في السجون، ما يضمن “عدم ترك أي أثر ورقي”، وقد وافق رئيس مكتب الأمن القومي، علي مملوك، على المقترح لدراسته.

تزوير الأدلة

بعد أشهر، بدأت الأجهزة الأمنية تنفيذ خططها لتزوير الأدلة بشكل منهجي. التحقيق الذي أجرته صحيفة “نيويورك تايمز” كشف عن جهود مسؤولين لتزوير وثائق رسمية لإخفاء أماكن احتجاز المعتقلين الذين توفوا تحت التعذيب، كما تم حذف أرقام الفروع الأمنية وأرقام التعريف الخاصة بالمعتقلين.

في بعض الحالات، تم توجيه أوامر بتلفيق اعترافات لمعتقلين قُتِلوا أثناء الاحتجاز، بهدف إعطاء شرعية قانونية ملحوظة لهذه الجرائم. بعد إعداد تلك الوثائق، تم إتلاف الأصول الأصلية بطرق بدائية.

وثائق سرية

استعرض التحقيق آلاف الصفحات من الوثائق السورية الداخلية، بما في ذلك مذكرات مصنفة “سري للغاية” تم تصوير العديد منها في فروع أمنية مشبوهة، تضم سجوناً. أجرى المحققون مقابلات مع أكثر من 50 شخصاً، حتى من بينهم مسؤولون أمنيون سابقون، وأطباء شرعيون، وعاملو دفن جثث، حيث أكد العديد منهم صحة الوثائق المعنية.

تشكل هذه الوثائق معاً، الصورة الأكثر اكتمالاً حول كيفية تعامل النظام السوري مع الضغوط الدولية والسعي إلى طمس آثار قمعه المنظم. وبحسب الأمم المتحدة، فإن أكثر من 100 ألف شخص اختفوا خلال حكم الأسد، وهو رقم لم تسجله أي دولة منذ الحقبة النازية، مما يتطلب جهداً إدارياً وأمنياً معقداً لإخفاء تلك الأرقام.

تغير التوثيق

في السنوات الأولى للحرب، كانت الأنشطة الأمنية موثقة بدقة، بيد أن هذه الممارسات تحولت لاحقاً إلى عبء. في يناير 2014، هُرّبت صور لأكثر من 6 آلاف جثة من السجون السرية بواسطة مصوّر عسكري يعرف بلقب “قيصر”. تُظهر الصور آثار التعذيب وتؤكد على الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.

بعد تقديم الصور إلى مجلس الأمن، قام النظام بعقد اجتماع مع خبراء قانونيين لوضع استراتيجية مضادة، تضمنت التشكيك في مصداقية الصور وتجنب الخوض في تفاصيلها.

المقابر الجماعية

عملياً، أشرف ضباط، من بينهم العقيد مازن إسمندر، على دفن آلاف الجثث في مقابر جماعية حول دمشق. بعد تسريب مواقع هذه المقابر، تم تكليف الفرق بنبش الجثث ونقلها إلى مناطق نائية. ووصف شهود عمليات النقل المروعة لجثث مدنيين وعسكريين، حيث تُرك العديد منهم عراة، مما عكس صورة قاتمة لمنهجية القمع.

تصاعد الملاحقات

على الرغم من العقوبات الدولية وقانون “قيصر”، استمر التعذيب بشكل متصاعد، وسط خشية من تحول المعتقلين المفرج عنهم إلى شهداء محتملين. بدأ عام 2023 بملاحقات قضائية طالت شخصيات بارزة، مع صدور مذكرات توقيف ضد علي مملوك، وبشار الأسد، وشقيقه ماهر.

في ديسمبر 2024، انهار النظام سريعاً، و دخلت قوات المعارضة دمشق، بينما فرّ الأسد وكبار مساعديه إلى روسيا، ولا يزال العقيد إسمندر طليقاً، حاملاً صندوقاً خشبياً يحتوي على بطاقات هوية لضحايا، أملاً في إنقاذ بعض المساعدين. تلك الأحداث ما زالت تُشير إلى واقع معقد تسير فيه مجريات الحرب الأهلية السورية.

اقرأ أيضا

النشرة الإخبارية

اخترنا لك