على مدار 26 عاماً من حكمه، رسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معالم السياسة الأمريكية، مُتلاعباً بخمسة رؤساء أمريكيين بدءًا من بيل كلينتون وانتهاءً بدونالد ترمب. ومع تغير الإدارات في البيت الأبيض، أثبت بوتين قدرته على البقاء في سدة الحكم بموسكو، مُتقناً فنون التأثير والتلاعب، حسبما ورد في تقرير لصحيفة “التايمز”.
بداية التلاعب
بدأت محاولات بوتين في التأثير منذ عام 1996، خلال زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون لمدينة سانت بطرسبرغ. في تلك الزيارة، تم عزل كلينتون عن السكان المحليين بشكل متعمد أثناء لقائه مع عمدة المدينة آنذاك، أناتولي سوبتشاك، الذي يُعتبر المرشد السياسي لبوتين.
هذا اللقاء يُعتبر بداية الجهود التي بذلها بوتين لتشكيل انطباع معين عن روسيا، حيث تم إبعاد كلينتون عن التجمعات المحلية، ما تسبب في استيائه من الزيارة.
الخلفية الاستخباراتية
وبحسب التقرير، لم يكن من الواضح الهدف وراء عزل بوتين لكلينتون، إلا أن خروجه من جهاز الاستخبارات السوفياتي “كي جي بي” يلقي بعض الضوء على شكوكه تجاه الغرب. كما شهد المحللون بأن بوتين استغل خبراته السابقة في ألمانيا الشرقية لصقل مهاراته في فهم النفس البشرية وتأثيرها.
على مر السنين، برزت قدرة بوتين في التفاعل مع القادة الغربيين، مستفيداً من نقاط ضعفهم ومعرفتهم المحدودة بالثقافة الروسية، حيث كان يتطلع إلى بناء اتصالات تساعده في جمع المعلومات حول الأحزاب السياسية في دول حلف “الناتو”.
عوائق التواصل
قالت أنجيلا ستينت، المستشارة السابقة للاستخبارات حول روسيا، إن بوتين قد أصبح أكثر خبرة في التعامل مع القادة الأمريكيين، الذين غالباً ما كانوا يفتقرون إلى المعرفة العميقة عن روسيا. وقد أشار إلى أنه قادر على التحايل عليهم بطريقته الخاصة.
رغم التباين في مواقفهم، عبّر العديد من الرؤساء الأمريكيين عن إعجابهم ببوتين، مثل بيل كلينتون الذي وصف علاقته معه بالطيبة والصريحة، وجورج بوش الابن الذي اعتبره مخلصاً لبلاده. كما رواه بوتين قصة تتعلق بالصليب الأرثوذكسي الذي نجا من حريق في منزله، وهو ما أثار تساؤلات بين المسؤولين الأمريكيين.
تصريحات العصر الحديث
على النقيض، كانت مواقف باراك أوباما وجو بايدن أكثر صراحة في انتقاد بوتين. وقد وصف أوباما لقاءاته مع بوتين بالباردة، بينما أشار بايدن إلى بوتين بلقب “القاتل”، مما زاد من التوتر بين الدولتين. ومع ذلك، احتفظ بوتين بعلاقة مميزة مع ترمب، الذي أعرب عن رغبته في تعزيز العلاقات معه.
حسب جون بولتون، مستشار الأمن القومي لترمب، يُعتقد أن ترمب يعتبر بوتين صديقه، لكن التوجهات الروسية تجاه هذه العلاقة قد تكون معقدة، حيث لا يظن بولتون أن بوتين يعتبر ترمب صديقه بالفعل.
تحديات المستقبل
ومع استمرار الأزمة الأوكرانية، قد تطرأ تغيرات على السياسة الأمريكية تجاه روسيا. خاصةً إذا شعر ترمب بأن مصالحه السياسية قد تكون مهددة. يتضح من خلال هذه الديناميكيات أن بوتين ليس مجرد زعيم استبدادي؛ بل هو أيضاً سياسي بارع يمارس فنون التأثير والتلاعب، مما يجعله شخصية محورية في العلاقات الأمريكية الروسية عبر الأجيال.