باريس تستعد لاحتمالية نشوب صراع مع روسيا قبل حلول عام 2030، وسط تحذيرات من رئيس هيئة الأركان الفرنسي حول ضرورة تقبل التضحيات. هذه الاستعدادات تأتي في ظل تزايد المخاوف الأمنية في أوروبا.
ميزانية دفاعية ضخمة
رفعت فرنسا ميزانيتها العسكرية إلى 60 مليار يورو، وتعمل على تعزيز الشراكات الدفاعية الأوروبية. يأتي هذا التحرك في سياق الدعوة إلى “الاستقلالية الاستراتيجية” خوفًا من تخلي الولايات المتحدة عن حلف شمال الأطلسي.
لم تفتح باريس الباب لمناقشة توسيع “المظلة النووية” الفرنسية لتشمل دولًا أوروبية أخرى. ويشير “الكتاب الأبيض” لوزارة الدفاع إلى الطموحات الروسية والخطر الذي تمثله على فرنسا وأوروبا.
الخدمة العسكرية الطوعية
أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “الخدمة العسكرية الطوعية” للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و19 عامًا، وذلك من قاعدة للواء 27 للمشاة الجبليين في منطقة “إيزير” بجبال الألب، لمدة لا تزيد على عشرة أشهر.
تهدف هذه الخدمة إلى تدريب الشباب وتأهيلهم، مع التأكيد على أن المتطوعين سيخدمون داخل الأراضي الفرنسية فقط، سواء في فرنسا القارية أو في مناطق ما وراء البحار. هذا التأكيد جاء ردًا على المخاوف من إرسالهم إلى جبهات خارجية، خاصة في أوكرانيا.
دعم أوكرانيا وقلق فرنسي
يعتبر ماكرون من أبرز الداعمين لأوكرانيا في مواجهتها مع روسيا. ويشارك في رئاسة “تحالف الراغبين” لإرسال قوات “طمأنة” إلى أوكرانيا بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. هذا الدعم أثار قلقًا لدى الفرنسيين، مما دفعه إلى التأكيد على عدم إرسال المتطوعين إلى الخارج.
تعتمد فرنسا على جيش من “المحترفين” منذ إلغاء الخدمة العسكرية الإلزامية في عهد الرئيس جاك شيراك. لكن الحاجة إلى عناصر إضافية بتكلفة منخفضة دفعت إلى إطلاق الخدمة الطوعية، حيث سيحصل المتطوع على راتب شهري يتراوح بين 900 وألف يورو.
أهداف الخدمة الطوعية
تسعى فرنسا إلى تطويع 3 آلاف شاب وشابة اعتبارًا من صيف العام المقبل، على أن يصل العدد السنوي إلى 10 آلاف مشارك في عام 2030، ثم 50 ألفًا في عام 2035. سيخضع المتطوعون لتدريب لمدة شهر واحد على النظام واستخدام السلاح، ثم يتم دمجهم في الوحدات العاملة.
في حالة وقوع أزمة كبرى، يمكن للبرلمان تفعيل الاستدعاء الإلزامي لغير المتطوعين، لكن ماكرون استبعد هذا السيناريو “الاستثنائي”. سيتم تمويل هذه الخدمة بتكلفة مبدئية تقارب ملياري يورو.
تجنب الاستسلام للخوف
برّر الرئيس الفرنسي طلبه من الفرنسيين التضحية بالتأكيد على التغيرات العالمية، قائلًا: “في عالم مضطرب تُغلّب فيه القوة على القانون، وتصبح فيه الحرب واقعًا معيشًا، لا يحق لأمتنا أن تستسلم للخوف أو الذعر أو سوء الاستعداد أو الانقسام”.
ويرى ماكرون أن “الخوف لا يدرأ الخطر، والطريقة الوحيدة لتجنّب الخطر هي الاستعداد له”. هذا الاستعداد يتضمن بناء “نموذج جديد للجيش” يعتمد على قوات عاملة معززة و”عمق داعم” من داخل الأمة، من خلال الشباب والخدمة الوطنية.
الخدمة الوطنية الشاملة
أطلق الرئيس الفرنسي في عام 2017 “الخدمة الوطنية الشاملة” غير العسكرية، بهدف تعزيز الانصهار الاجتماعي ومساعدة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عامًا. لكن هذه الخدمة لم تكن شاملة أو ناجحة، و”لم تعد ملائمة للسياق الاستراتيجي” الحالي.
الخطة الجديدة تضع حدًا للخدمة الوطنية الشاملة وتركز على الخدمة العسكرية الطوعية. استلهم ماكرون هذا النموذج من خمس دول أوروبية تعتمد الخدمة الطوعية، مشيرًا إلى أن الخطة “مستوحاة من ممارسات شركائنا الأوروبيين” في مواجهة التهديدات المشتركة. وقد أطلقت ألمانيا والدنمارك مؤخرًا مشاريع مماثلة.


