الجمعة 31 أكتوبر 2025
spot_img

عودة الطلاب إلى مدارس سوريا المدمرة بعد سنوات النزوح

spot_img

في ريف إدلب الجنوبي، تشهد القرى عودة تدريجية للسكان بعد سنوات من النزوح القسري الذي خلفته الحرب الأهلية السورية. وتعتبر إعادة تأهيل المدارس المتضررة والمنهوبة خطوة حاسمة لضمان استقرار العائدين.

مدارس إدلب: تحديات إعادة الإعمار

رغم مرور نحو عام على إطاحة الرئيس السابق بشار الأسد، لا تزال مئات المدارس في سوريا تعاني الدمار. ويواجه ملايين الأطفال خطر البقاء خارج مقاعد الدراسة، بينما يتلقى آخرون تعليمهم في مبان تفتقر إلى أبسط التجهيزات.

صفية الجروك، إحدى العائدات إلى بلدة معرّ شمّارين، عادت مع عائلتها بعد خمس سنوات من النزوح، لتجد نفسها تعيش في خيمة جوار أنقاض منزلها المدمر، وترسل أبناءها الثلاثة إلى المدرسة الابتدائية التي أعيد افتتاحها مؤخراً.

واقع التعليم: معاناة مستمرة

المدرسة الابتدائية في معرّ شمّارين تعكس الواقع المرير، جدرانها مثقوبة بالرصاص، والطلاء الرمادي والأزرق يتقشر. أشعة الشمس تتسلل من النوافذ الخالية من الزجاج، والتلاميذ يجلسون على بطانيات رقيقة مفروشة على الأرض الباردة.

“إذا أمطرت، ستمطر على أطفالي من النوافذ المكسورة… المدرسة لا تملك حتى مياها جارية”، هكذا وصفت صفية الجروك الوضع المأساوي للمدرسة.

نقص حاد في التجهيزات

مدير المدرسة، عبد الله الحلاق، أكد أن المبنى فقد كل شيء تقريباً، من المقاعد والنوافذ والأبواب، وصولاً إلى حديد التسليح الذي تم تجريده من الجدران. “الأطفال يأتون إلى هنا ولا يوجد مقاعد ولا سبورات ولا نوافذ”، أضاف الحلاق، مشيراً إلى أن الشتاء القادم سيزيد الأمور سوءاً.

“بعض الأهالي يتصلون بنا قائلين إن أولادهم يمرضون بسبب الجلوس على الأرض، فيمنعونهم من الذهاب إلى المدرسة”، أوضح الحلاق، ما يعكس حجم المعاناة التي تواجه الطلاب والعائلات على حد سواء.

أرقام مقلقة: دمار واسع

يوسف عنان، نائب وزير التربية، كشف أن 40% من المدارس في سوريا لا تزال مدمرة، معظمها في ريفي إدلب وحماة، حيث شهدت المنطقة أعنف المعارك خلال الحرب الأهلية.

في محافظة إدلب وحدها، هناك 350 مدرسة خارج الخدمة، ولم يتم تأهيل سوى 10% منها حتى الآن، وفقاً لعنان. “الكثير من المدارس جُردت من كل شيء، حتى الحديد أُخذ من الأسقف والهياكل، وإعادة بنائها تحتاج إلى سنوات وتمويل كبير”.

خطط وبرامج طموحة

بدأ العام الدراسي الجديد في منتصف أيلول، بالتوازي مع خطة طارئة لاستيعاب أعداد الطلاب العائدين. وتعتزم الوزارة إطلاق برنامج للتعلم عن بعد لتوسيع فرص التعليم، لكنه “يحتاج مزيداً من الوقت” ولم يطبق بعد، حسب عنان.

على مستوى البلاد، هناك 4 ملايين طالب مسجلين في المدارس، بينما يبقى نحو 2.5 إلى 3 ملايين طفل خارج النظام التعليمي، بحسب ميريتشيل ريلانو أرّانا، ممثلة “اليونيسف” في سوريا.

تحديات متعددة الأوجه

“الوصول إلى التعليم صعب جداً على كثير من الأطفال. مدارس كثيرة مدمرة، وعدد من المعلمين لم يعودوا للتدريس، وكثير من العائلات لا تملك المال لشراء اللوازم المدرسية”، بينت ريلانو، مؤكدة على حجم التحديات التي تواجه قطاع التعليم في سوريا.

عائلة الجروك خير مثال على هذه الصعوبات، فالأم تقول: “ابنتي الكبرى ذكية جداً وتحب الدراسة، لكننا لا نستطيع شراء الكتب”. وتضيف أن الأطفال يساعدون بعد المدرسة في قطف الزيتون، لأن العائلة تعيش من إنتاج زيت الزيتون.

ازدياد الطلب وصعوبات التعلم

يستقبل مدير مدرسة معرّ شمّارين الابتدائية نحو 450 طالباً، لكن الطلب في ازدياد مستمر، ويقول: “هناك طلاب جدد يريدون التسجيل، لكن لا مزيد من الأماكن”.

المعلمة بيان إبراهيم توضح أن كثيراً من التلاميذ تراجع مستواهم الدراسي بسبب سنوات النزوح. “بعض العائلات نزحت إلى مناطق لم يكن فيها دعم للتعليم، أو لم تسمح ظروفهم بمتابعة تعليم أطفالهم”.

جهود مستمرة ومستقبل غير واضح

تضيف المعلمة أن نقص المقاعد والكتب يجعل ضبط الصفوف أصعب، في حين يجد الأهالي صعوبة في متابعة أولادهم. “لا توجد كتب، لذلك لا يعرف الأهل ما الذي يدرسه أولادهم”.

وتؤكد ريلانو أن “اليونيسف” تعمل على إعادة تأهيل المدارس، وتوفير صفوف مؤقتة، وتدريب المعلمين لتزويدهم بالأدوات اللازمة لتعليم نوعي، مشيرة إلى أن المهمة ملحة خصوصاً مع عودة مئات آلاف اللاجئين من الخارج.

الدعم النفسي وإعادة التأهيل

المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تشير إلى أن أكثر من مليون لاجئ عادوا إلى سوريا، ما يزيد الضغط على البنية التحتية المتهالكة.

“كثير من الأطفال تعرضوا لصدمات نفسية بسبب سنوات الحرب، وهم بحاجة إلى مدارس آمنة تقدم دعماً نفسياً واجتماعياً”، أوضحت ريلانو، مشيرة إلى أن دروس التعويض تنظم حالياً لمساعدة الطلاب الذين فاتتهم سنوات من التعليم على الاندماج مجدداً في النظام الدراسي.

اقرأ أيضا

اخترنا لك