يعاني المواطنون السوريون من أزمة خانقة في الحصول على رواتبهم، حيث يجلس أبو فارس (الموظف المتقاعد) على رصيف أحد شوارع دمشق بعد انتظار دام لأكثر من أربع ساعات أمام مصرف حكومي، دون أن يتمكن من استلام جزء من راتبه. كل يوم، يواجه العديد من السوريين نفس المعاناة بسبب نقص السيولة في البلاد.
وصرّح أبو فارس (77 عاماً) لـ”وكالة الصحافة الفرنسية» قائلاً: «لم أتمكن بعد من استلام راتبي، رغم الانتظار الطويل تحت الشمس وسط العشرات من الناس الذين يعانون نفس الوضع».
يسجل المصرف المركزي السوري التوسيع في أزمة السيولة منذ فرض قيود مفاجئة على سحب الأموال في فبراير، مما زاد من معاناة المواطنين. هذه الأزمة النقدية تعكس عدداً من المشكلات الاقتصادية المتراكمة التي تعود جذورها إلى حكم الرئيس بشار الأسد الذي شهدت حكمه البلاد تطورات متسارعة في ديسمبر.
الضغط على المواطنين
تشير المعلومات إلى أن نحو مليون و250 ألف موظف يعملون في القطاع العام في البلد، يضطرون للانتظار طويلاً أمام المصارف أو أجهزة السحب الآلي، حتى يتمكنوا من الحصول على جزء ضئيل من رواتبهم. بعضهم يلجأ إلى أخذ إجازة من عمله لمواجهة هذه الأزمة.
وأضاف أبو فارس: «الوضع هنا لم يعد يحتمل، فنحن نشهد طوابير تضم مرضى وكبار سن في انتظار الحصول على أموالهم».
تتراوح أوضاع السوريين بشكل عام بين الفقر والعوز، حيث يعيش أكثر من 90% منهم تحت خط الفقر، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، مما يجعل الوضع أكثر صعوبة بالنسبة للأسر المحتاجة.
تحديات السيولة
يعاني القطاع المصرفي من نقص حاد في السيولة، فالبنك المركزي فرض سقف سحب يقدر بـ200 ألف ليرة يومياً (ما يعادل حوالي 20 دولاراً) لكل فرد، فيما شددت موظفة في مصرف خدمي على أن هذا القرار مرتبط بعدم توفر السيولة الكافية.
وقالت الموظفة، التي فضلت عدم ذكر اسمها: «لا نستطيع التحكم في كل إيداعات مصرفنا، ما يجعلنا نعمل ضمن ميزانية محددة، مما يؤدي إلى إغلاق الصرافات بعد ساعات العمل».
وفي خضم تأثير الأزمة المستمر، تقوم بعض الأطراف الدولية، مثل الاتحاد الأوروبي، بتخفيف العقوبات المفروضة على دمشق، لكن تبعات ذلك لا تزال تنعكس بشكل محدود على حياة المواطنين اليومية.
المحيط النقدي المتدهور
أدت النزاعات والأزمات المتكررة إلى تدهور الاقتصاد المحلي، وأصبح طباعة العملة السورية محصورة في روسيا، التي تعد حليفة للنظام منذ سنوات، حيث شهدت الفترة الأخيرة شحنات نقدية من روسيا دون تحديد الكمية.
يرى الخبير الاقتصادي جورج خزام بأن تشديد عمليات تجفيف السيولة في السوق المحلية يعزز تقلبات الأسعار، محدثاً ضرراً على قيمة الليرة، حيث كشف أن هذا التراجع أسهم في رفع سعر الدولار بشكل تدريجي، مما زاد ضغوط الحياة اليومية على السوريين.
تجاوز سعر صرف الدولار في السوق السوداء حتى العشرة آلاف ليرة، بينما لم يتجاوز 50 ليرة قبل عام 2011، مما يدل على الأثر السلبي للنزاع المستمر على الاقتصاد.
بينما تواصل منتهى عباس (موظفة حكومية) الوقوف في طوابير الانتظار لاستلام راتبها البالغ 500 ألف ليرة، تدرك تماماً صعوبة الوضع الذي يجعلها بحاجة لثلاث محاولات للحصول على راتبها.
بعد انتظار خمس ساعات، قالت منتهى: «توجد العديد من الصرافات في دمشق، ولكن قلة منها تعمل، بسبب نقص الأموال المتاحة. حياتنا تحولت إلى طوابير لا نهاية لها».