تفاقمت معاناة المرضى في العاصمة اليمنية صنعاء مع استمرار توقف العمل بشكل شبه كامل في المستشفى الجمهوري، ثاني أكبر المستشفيات الحكومية بالمدينة. يأتي هذا التدهور نتيجة الصراع الداخلي القائم بين قيادات جماعة الحوثي بشأن المناصب وتقاسم الإيرادات، كما أكدت مصادر طبية لموقع «الشرق الأوسط».
الصراع القائم أدى إلى شلل واسع في الخدمات الصحية، ما يحرم مئات المرضى يومياً من الحصول على الرعاية والعلاج. ووجهت اتهامات للجماعة باستخدام خدمات المستشفى والمرافق الصحية الأخرى لمصلحة أسر قتلاها وجرحاها العائدين من الجبهات.
تجدد الصراع
وأشارت المصادر إلى أن النزاع يتكرر بين قيادات حوثية، أحدهم يدير ما يسمى «هيئة الزكاة» والآخر في وزارة الصحة التابعة للحكومة غير المعترف بها. وقد توسع الخلاف بسبب التعيينات الإدارية والجهود المفروضة للنفوذ على إدارة المستشفى وموارده. وقد أكدت المصادر أن الوضع الصحي في المستشفى أصبح «الأكثر سوءاً منذ سنوات».
كما حذرت مصادر من هيئة المستشفى الجمهوري من استمرار توقف معظم الخدمات الطبية بسبب ما وصفته بـ«تدخلات خارجية» في شؤون المستشفى، والسعي لإجراء تغييرات إدارية تشمل استبدال الكوادر الطبية ذات الخبرة بكوادر أقل كفاءة.
عجز الخدمات الصحية
شرح عاملون في القطاع الصحي أن المستشفى، الذي قدّم خدماته في أصعب الظروف، أصبح اليوم شبه عاجز عن توفير احتياجات الأدوية والمستلزمات الطبية للمرضى الوافدين من صنعاء والمناطق المجاورة. وأكدوا أن استمرار الخلافات قد يقود إلى شلل كامل في عمل المستشفى، محملين جماعة الحوثي مسؤولية تحويل هذه المؤسسة الحيوية إلى ساحة صراع.
كما تقدمت «هيئة الزكاة» الحوثية، التي تقدم جزءاً من تمويل المستشفى، في وقت سابق بطلب لإقالة مدير المستشفى محمد جحاف، متهمةً إياه بالفساد، وهو ما قوبل برفض وزير الصحة المعين من الحكومة غير الشرعية، ما زاد من حدة الصراع وأثر بشكل مباشر على سير العمل بالمستشفى.
اتهامات الفساد
يتبادل الأطباء العاملون في المستشفى الاتهامات مع الهيئة الحوثية حول وقف المخصصات المالية، حيث يتهمونها باستخدام ذلك كوسيلة ضغط سياسية وإدارية. ويعاني المرضى، خاصة من الفئات الأكثر فقراً، من تبعات هذا الصراع الذي ينعكس سلباً على الرعاية الصحية المتوفرة.
في حين يشير نشطاء في صنعاء إلى حالة الفوضى المتزايدة في المؤسسات الخاضعة لسيطرة الحوثي، حيث تهيمن المحسوبية على مساحة العمل، مما يسهم في تفشي الفساد والإهمال.
تدهور الوضع الصحي
يتزامن الصراع مع تحذيرات دولية تتعلق بتدهور غير مسبوق في الوضع الصحي باليمن. تقرير مشترك من «منظمة الصحة العالمية» و«مجموعة البنك الدولي» أفاد بأن أكثر من نصف السكان باتوا خارج مظلة الرعاية الصحية الأساسية، مما يعد واحدة من أسوأ الأزمات الصحية عالمياً.
التقرير أشار إلى أن نسبة تغطية الخدمات الصحية في اليمن لا تتجاوز 43٪، مما يعني أن نحو 57٪ من اليمنيين محرومون من خدمات الوقاية والعلاج الأساسية. وقد حذرت هذه التقارير من أن استمرار التدهور دون حلول جذرية قد يتسبب في كارثة إنسانية أكبر.
أزمات مستمرة
ولفت التقرير إلى تفشي الأوبئة والارتفاع الحاد في معدلات سوء التغذية، بالإضافة إلى تزايد الاحتياجات الصحية النفسية وغير السارية. وفي ظل هذه الأوضاع، يواجه 30.1٪ من السكان صعوبات اقتصادية تحول دون قدرتهم على تحمل تكاليف العلاج.
أدى الصراع المستمر إلى شلل شبه كامل في البنية التحتية الصحية، حيث تحولت الاستجابة الطارئة إلى العمود الفقري للنظام الصحي بدلاً من الاعتماد على خدمات مستدامة. كما تسبب العنف وانعدام الاستقرار في إغلاق نحو نصف المرافق الصحية أو تشغيلها بقدرات محدودة، مما عمق الفجوة في تقديم الخدمات الطبية.
وفقًا للتقرير، فإن نحو 16.4 مليون يمني باتوا محرومين كلياً من الوصول إلى الرعاية الصحية، مما يعكس حجم الانهيار الذي يعيشه القطاع الصحي. هذه الظروف تهدد حياة الملايين من المرضى في ظل صراعات داخلية تتجاهل ثمنها الإنساني.


