يشهد القطبية الشمالية سباقاً حثيثاً بين القوى الغربية لمواجهة توسيع نفوذ روسيا والصين في المنطقة، في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية. وفقاً لما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، يتطلب الدفاع عن القطب الشمالي ميزانيات ضخمة وموارد متزايدة.
تعقيدات الدفاع
حذرت الصحيفة من أن تشغيل أي قاعدة عسكرية في الأجزاء الشمالية يعد عملية معقدة للغاية. يتطلب الأمر استراتيجيات دقيقة ونفقات ضخمة، في وقت تمر فيه المنطقة بتحولات جذرية.
شهدت جزيرة جرينلاند لحظة حرجة عندما قاد القبطان دونالد جيبسون سفينته التجارية خلال عاصفة قطبية مفاجئة، حاملاً شحنة حيوية لتطوير قاعدة عسكرية كندية تعنى بجمع المعلومات الاستخباراتية عن النشاطات الروسية في المنطقة.
بعد تسعة أيام من الإبحار لمسافة 2500 ميل بحري، وصلت السفينة “نوناليك” متأخرة بفترة قصيرة، حيث كانت عمال الميناء في قاعدة بيتوفيك الفضائية الأميركية قد غادروا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع.
الرحلة الشاقة
تبلغ طول السفينة 450 قدماً، وهي تابعة لشركة الشحن الكندية NEAS، وقد أبحرت انطلاقاً من ميناء بيكانكور قرب مونتريال. كانت الظروف المناخية تمثل تحدياً خطيراً، إذ لا يُمكن الوصول إلى بعض المواقع إلا خلال الصيف القصير.
خلال معظم الرحلة، لم تصادف السفينة أي زوار في الأفق، وكان الرفيق الوحيد للطاقم المكون من 20 فرداً هو عناصر من الحياة البحرية والجبال الجليدية. بعد فترة من الانتظار، تم تفريغ الحمولة بفضل تحسن الظروف الجوية.
التحديات البيئية
على الرغم من صعوبة الظروف، كانت الشحنة ضرورية، إذ كان من المقرر نقلها جواً إلى محطة “أليرت” الكندية. أي فقدان للشحنة قد يؤخر أعمال البناء عاماً كاملاً.
تاريخياً، شهد القطب الشمالي حالات مأساوية، كحادثة سفن صيد الحيتان البريطانية في عام 1830، مما يبرز التحديات الفائقة لوضع القوات هناك. وفي حالة اشتعال نزاع مع روسيا، فإن القطب الشمالي سيكون محوراً استراتيجياً حاسماً.
تحظى القواعد العسكرية الروسية، مثل أسطول الشمال في شبه جزيرة كولا، بقدرات متقدمة تجعل من القطب الشمالي منطقة حساسة في أية صراعات جيوسياسية محتملة.
محاولات التعزيز العسكري
في يناير المنصرم، أشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى الصواريخ كـ”التهديد الأكثر كارثية”، مُعلناً عن خطط لتعزيز الدفاعات الصاروخية. يعتمد الغرب حالياً على أنظمة الإنذار المبكر المتمركزة في قاعدة بيتوفيك.
وفي سياق متصل، التزمت كندا بتخصيص 6 مليارات دولار كندي لتطوير قدرات الرادار والدفاع الجوي، بينما تسعى روسيا والصين لتوسيع وجودهما في المنطقة واستعراض قدراتهما.
تداعيات الصراع في أوكرانيا
سلطت الحرب في أوكرانيا الضوء على التحديات التي تواجه الغرب في القطب الشمالي، خاصة فيما يتعلق بتزويد القوات بالإمدادات. كما أظهرت الاستعداد الروسي لاستخدام أنظمة صواريخ متطورة لا يمتلك الغرب الدفاعات الكافية ضدها.
تعمل الولايات المتحدة على تطوير أنظمة رصد فضائية لحماية البلاد، في حين تسعى كندا لتعزيز قدرات الرادار للكشف عن أي تهديدات.
قاعدة بيتوفيك والتحديات الحالية
تُعد سفينة “نوناليك” من بين القليل من السفن القادرة على الإبحار في القطب الشمالي، حيث تُقدم إمدادات حساسة للمجتمعات النائية. قاعدة بيتوفيك، المعروفة سابقاً باسم قاعدة ثول الجوية، شُيدت خلال الحرب الباردة، وتظل واحدة من أهم القواعد العسكرية في المنطقة.
تسجل القاعدة الحضور المستمر للحيوانات البرية، بينما تمثل الطبقة الجليدية خلف القاعدة تحدياً ثانياً يتطلب استجابة فعّالة من القوات العسكرية.
تنفذ القاعدة عمليات إمداد دورية، ولكن الرقم القليل لنقل الشحن البحري عبر البحار يجعل الأمر أكثر تعقيداً. في عام 1991، شهدت القاعدة مأساة هبوط طائرة قُتل فيها خمسة أشخاص، ما يعكس حجم المخاطر التي تواجه المستمرين في هذه المنطقة القاسية.