وسط ضغوط متزايدة، يربط “حزب الله” أي نقاش حول تسليم سلاحه بانسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة، والالتزام ببنود اتفاق وقف إطلاق النار. تأتي هذه التطورات بالتزامن مع مراجعة استراتيجية داخلية يبحث فيها الحزب تقليص دوره العسكري دون التخلي الكامل عن سلاحه، وفق مصادر مطلعة.
إشارات متباينة
في الوقت نفسه، يرسل “حزب الله” إشارات متضاربة بشأن الورقة الأميركية التي حملها الموفد توماس براك إلى بيروت قبل أسبوعين. من المنتظر أن يتلقى الحزب ردودًا عليها خلال زيارة براك المرتقبة إلى بيروت مطلع الأسبوع المقبل، حيث سيلتقي بالرئيس جوزيف عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام، لمناقشة المطالب الأميركية بنزع سلاح الحزب وحصر السلاح بيد الدولة.
يؤكد قيادات “حزب الله”، وعلى رأسهم النائب حسين الحاج حسن، على صمود المقاومة وثباتها في مواجهة الضغوط، مشيرين إلى امتلاكها خيارات واضحة. بالمقابل، تضع كتلة “الوفاء للمقاومة” النيابية أولوية قصوى لانسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة قبل الخوض في أي نقاش حول السلاح.
التزام بالسيادة الوطنية
أكدت الكتلة في بيان رسمي على أهمية إظهار موقف لبناني قوي وسيادي، مشيرة إلى التزام لبنان الكامل بإعلان وقف إطلاق النار، في حين تستمر إسرائيل بانتهاك هذا الإعلان.
شددت الكتلة على تمسك لبنان بحقوقه الوطنية والسيادية، رغم الضغوط والدعم الذي تتلقاه إسرائيل من بعض القوى الكبرى. كما طالبت هذه القوى بمساعدة لبنان وإلزام إسرائيل بتنفيذ بنود الاتفاق دون تأخير أو تحايل.
استراتيجية الأمن الوطني
أكدت الكتلة على ضرورة أن تكون أي مقاربة ضمن إطار سيادي وطني لمناقشة استراتيجية الأمن الوطني، والإجراءات المتعلقة بالأمن والاستقرار والتعافي وحفظ السيادة وبسط سلطة الدولة، مشددة على أن انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة هو المقدمة الطبيعية لأي حوار.
في السياق ذاته، رأى النائب حسين جشي أن الرهان على العلاقات الدولية والدبلوماسية لتحرير الأرض دون امتلاك قوة داخلية هو رهان على الوهم، مؤكدًا أن التمسك بالمقاومة هو الخيار الوحيد الفعال لحماية الوطن والدفاع عن الكرامة.
تقليص الدور العسكري؟
على صعيد آخر، كشفت مصادر مطلعة عن بدء “حزب الله” مراجعة استراتيجية شاملة في أعقاب الحرب الأخيرة مع إسرائيل. تتضمن المراجعة بحث إمكانية تقليص دور الحزب كجماعة مسلحة دون التخلي الكامل عن السلاح.
أشارت مصادر أمنية ولبنانية رفيعة المستوى إلى وجود شكوك حول قدرة طهران على تقديم الدعم السابق للحزب، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها. وتجري لجان صغيرة داخل الحزب مناقشات سرية حول هيكله القيادي، ودوره السياسي، وعمله الاجتماعي والتنموي، ومستقبل ترسانته.
ترسانة مكلفة
تفيد المصادر أن “حزب الله” بات يرى في الترسانة الكبيرة التي جمعها لردع إسرائيل عبئًا ثقيلاً، وأن هذه القوة الزائدة تحولت إلى نقطة نقمة.
خيارات الأسلحة
بعد تفكيك جزء كبير من ترسانته في جنوب الليطاني، يدرس “حزب الله” تسليم بعض الأسلحة الموجودة في مناطق أخرى، خاصة الصواريخ والطائرات المسيرة، بشرط انسحاب إسرائيل من الجنوب ووقف هجماتها. مع ذلك، تؤكد المصادر أن الحزب لن يتخلى عن كامل ترسانته.
ويعتزم “حزب الله” الاحتفاظ بأسلحة خفيفة وصواريخ مضادة للدبابات للدفاع عن نفسه في المستقبل.
تحديات الهوية
أفاد مسؤول أوروبي مطلع بأن “حزب الله” يجري نقاشات معمقة حول مستقبله، لكن دون نتائج حاسمة حتى الآن. ووصف المسؤول الوضع الحالي للحزب كجماعة مسلحة بأنه جزء من هويته، معتبرًا أنه سيكون من الصعب عليه التحول إلى حزب سياسي محض.
تفيد مصادر مطلعة بأن الحزب يصر على الاحتفاظ ببعض الأسلحة ليس فقط تحسبًا لتهديدات إسرائيلية مستقبلية، بل أيضًا خشية استغلال مسلحين سنة في سوريا المجاورة لأي فراغ أمني لمهاجمة مناطق شرق لبنان ذات الأغلبية الشيعية.