تسليط الضوء على تزايد تهديد الطائرات المسيّرة كان حاضراً في أعقاب الغارات الجوية الإسرائيلية على إيران يوم الجمعة الماضي. حيث رصد مزارعو العراق أسراباً من الطائرات الإيرانية المسيّرة تتجه غرباً، مما يعيد تشكيل قواعد الدفاع الجوي، وذلك وفق تقرير نشرته مجلة Scientific American.
التقرير أشار إلى أن أكثر من 100 طائرة مسيّرة قطعت مسافة 1700 كيلومتر نحو الأجواء الإسرائيلية، مُصدِرة أصواتاً تشبه جزازات العشب.
الطائرة الإيرانية “شاهد”
من بين هذه الطائرات، يبرز نموذج “شاهد-136″، المصنوعة غالبًا من الفوم والخشب الرقائقي، التي يبلغ طولها 3.5 أمتار، مع جناحين بعرض 2.5 متر، ورأس حربي يزن ما بين 40 إلى 50 كيلوجراماً.
تحتوي الطائرة على مستشعر صغير بحجم قطعة حلوى يقيس كل حركة، بالإضافة إلى نظام GPS يعمل بحجم بطاقة ائتمان، يستقبل إحداثيات مسبقة قبل إطلاقها بإشعال صواريخ دفع صغيرة إلى السماء.
تعرف هذه المسيّرات بصوتها المرتفع، فمحركها بقوة 50 حصاناً، وهو أقوى بقليل من محرك سيارة “فولكسفاجن بيتل” القديمة، مُصدراً ضجيجًا يعادل دراجة نارية صغيرة، مما يزيد من تأثيرها عندما تكون بأعداد كبيرة، وهو ما يصفه بعض الاستراتيجيين العسكريين بـ”السرب البدائي”.
الضغط على الأنظمة الدفاعية
تستهدف هجمات الطائرات المسيّرة الإيرانية أساسًا إغراق أنظمة الدفاع الجوي. مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وصف هذه الطائرات بأنها وسائل تستخدم للضغط على مراكز القيادة لتكثيف قراراتها بشأن استخدام صواريخها المثالية.
في الهجوم الأخير، والذي شهد انطلاق أكثر من 100 طائرة إلى تل أبيب، اعترضتها مقاتلات، ومنظومة “القبة الحديدية”، ومدمرة أميركية متواجدة في البحر المتوسط.
تفتقر “شاهد” إلى القدرة على تعديل مسارها أثناء المعركة، حيث تعتبر من نوع “أطلقها وانسها”، ولا يمكنها إرسال المعلومات أو استقبال التحديثات حول مسارها، مما يحد من قدرتها على المناورة.
مزيد من التعقيد في الأسراب
تستند معظم الأسراب الجديدة على خوارزمية “بويدز”، التي وضعها الباحث كريج رينولدز في عام 1987. تتضمن هذه القواعد الأساسية: التمركز الجماعي، وتجنب الاصطدام، ومطابقة السرعة.
عند تطبيق هذه القواعد على عدد كبير من الطائرات الافتراضية، تظهر محاكاة حركة أسراب حقيقة. هذا هو الهدف من استخدام الأسراب في الحروب الحديثة.
يمكن تزويد الطائرات المسيّرة بنظام GPS وتقنيات مستقلة، مما يزيد من قدرتها الفتاكة كما يتضح من عمليات أوكرانيا.
الهجمات في أوكرانيا
في 1 يونيو، قبل أسبوعين من التبادل الهجومي بين إيران وإسرائيل، تم نقل شاحنات تحمل أكواخ خشبية إلى مواقع قرب قواعد جوية روسية. وعند فتحها، انطلقت 117 طائرة رباعية صغيرة، بحجم علبة بيتزا.
تم تجهيز هذه الطائرات بأنظمة رؤية ذاتية، حيث كانت قادرة على تحديد أهدافها بشكل ذاتي في حالة فقدان الاتصال. ذكرت الاستخبارات الأوكرانية أن 41 طائرة روسية قد أُصيبت جراء هذه العمليات، بينما تقديرات أكثر تحفظاً تشير إلى تدمير 12 قاذفة.
تكنولوجيا الأسراب الأميركية
بالرغم من خطورة الطائرات البدائية، فإن القدرة على تحديد الأهداف بدقة تجعل الأسراب الأمريكية أكثر فتكاً. القوات الجوية الأميركية اختبرت هذه المفاهيم خلال برنامج “القطيع الذهبي”، حيث شاركت قنابل صغيرة ذكية. كل قنبلة كانت قادرة على التواصل فيما بينها لاختيار القرارات الأمثل.
في تجربة أخرى تعرف باسم “الكولوسيوم”، تم تطوير استراتيجيات زمنية حقيقية مع كل قنبلة. برنامج “أوفست” الذي تشرف عليه “داربا”، يهدف إلى تمكين طيار واحد من السيطرة على 250 طائرة مسيّرة في بيئة افتراضية معقدة.
الصين وأول حاملة مسيّرات طائرة
في سباق التطوير، الصين تعمل على طائرات “جيوتيان”، أول حاملة طائرات مسيّرة في العالم، بوزن 10 أطنان، قادرة على إطلاق 100 طائرة فرعية من ارتفاعات عالية.
التهديد المتزايد من الطائرات المسيّرة يحمل مخاطر جديدة على الأجواء، حيث يتحتم على البشرية التكيف في ظل هذا التحول السريع نحو الحروب التي تعتمد على الطائرات المسيّرة.
مواجهة التحديات
يمكن أن تلجأ الأنظمة الدفاعية مستقبلاً إلى “مضللات” لتشويش الطائرات، أو حتى جعلها تصطدم ببعضها البعض. بينما تسعى إسرائيل لتطوير ليزر قادر على قطع أجنحة طائرات “شاهد”، سيكون من المهم ملاحظة كيفية تطور الدفاعات مقابل الهجمات لتعزيز الابتكار في هذا المجال.
تشير مجلة Scientific American إلى أن نماذج الطائرات المسيّرة الإيرانية والأوكرانية، بالإضافة إلى برامج “القطيع الذهبي” الأميركية، تُبرز مسارات جديدة نحو مفهوم “الاستقلالية الجماعية”، مما يعيد تشكيل قواعد الدفاع الجوي المعاصرة.


