السبت 25 أكتوبر 2025
spot_img

جولة ترمب في آسيا: صفقات ومساومات أمريكية جديدة

spot_img

قبيل انطلاق جولته الآسيوية المرتقبة بـ 48 ساعة، كشف البيت الأبيض عن تفاصيل أوسع لبرنامج الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والتي تشمل محطات في ماليزيا واليابان وكوريا الجنوبية، مع إمكانية توقف مفاجئ في المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين.

جولة ترمب الآسيوية

يستهل ترمب مشاركته في قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) بماليزيا يومي 26 و27 من شهر أكتوبر، قبل أن ينتقل إلى اليابان، ثم إلى كوريا الجنوبية لحضور قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك) التي تنطلق في 29 أكتوبر.

أكدت مصادر دبلوماسية في واشنطن أن الجدول الزمني النهائي للجولة “لا يزال قيد المراجعة”، مع إبقاء فريق الأمن القومي في البيت الأبيض على تفاصيل الزيارة ضمن دائرة ضيقة من المستشارين، ما يعكس حساسية الملفات المطروحة على جدول أعمال ترمب في منطقة شرق آسيا.

تحديات اقتصادية وتجارية

تتصدر التحديات التجارية أولويات جولة ترمب الآسيوية، والتي تأتي في ظل تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والصين بشأن قيود التصدير للمعادن النادرة والتكنولوجيا المتقدمة.

من المتوقع أن يعقد الرئيسان الأميركي والصيني، دونالد ترمب وشي جينبينغ، قمة ثنائية على هامش قمة “أبيك” في كوريا الجنوبية، وذلك في 30 أكتوبر، بعد أن تردد ترمب مرتين بشأن هذا اللقاء.

آخر هذه الترددات جاء عقب قرار بكين فرض قيود جديدة على صادرات الغاليوم والجرمانيوم، وهما معدنان أساسيان في صناعة أشباه الموصلات والدفاع، بالإضافة إلى تهديد ترمب بفرض رسوم جمركية على الصين بنسبة تصل إلى 150%.

واشنطن تستعيد دورها

يرى مراقبون أن مشاركة ترمب في قمة “أبيك” ستكون بمثابة اختبار لقدرة واشنطن على استعادة دورها المحوري في الساحة الاقتصادية الآسيوية، خاصة بعد اتهامات لإدارة الرئيس السابق جو بايدن بالتسبب في تراجع النفوذ الأميركي.

وذلك حين ملأت الصين الفراغ عبر اتفاقيات تجارية إقليمية واسعة، وتعد عودة ترمب إلى آسيا ببراغماتية تجارية جديدة، تقوم على الضغط الاقتصادي مقابل فتح قنوات سياسية، مستخدماً لغة أقل تصادمية وأكثر حسابية.

محطتا اليابان وماليزيا

تشير تقارير غير رسمية إلى أن ترمب قد يتوقف في طوكيو للقاء ساناي تاكايتشي، أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في اليابان، في زيارة تهدف إلى إعادة التوازن للعلاقة بين الحليفين بعد أشهر من التوتر بشأن الرسوم الجمركية وتمويل القواعد الأميركية.

يقول جاك بيرنهام، الباحث في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” في واشنطن، إن زيارة ترمب تأتي في فترة انتقالية تشهدها المنطقة، وتتيح له فرصة تعزيز العلاقات مع رئيسة الوزراء اليابانية الجديدة ساناي تاكايتشي، وتحفيز محادثات التجارة مع سيول.

تعزيز العلاقات الاقتصادية

ويضيف بيرنهام: “من خلال اجتماعه المتوقع مع شي، يمكن لترمب أن يبرز نفوذ أميركا الخاص، ألا وهو تنمية العلاقات مع مستثمرين رئيسيين في قطاع التصنيع الأميركي والقطاعات الاستراتيجية الأخرى”.

وذلك في الوقت الذي تستعد فيه الصين لتعزيز استراتيجيتها الاقتصادية المتعثرة كجزء من خطتها الخمسية المقبلة، ما يعكس إدراك إدارة ترمب لأهمية المزج بين النفوذ الاقتصادي والمبادرات الدبلوماسية.

طمأنة الشركاء الآسيويين

تهدف محطات جولة ترمب الآسيوية إلى طمأنة الشركاء في جنوب شرق آسيا بأن واشنطن لن تنسحب من المنطقة، على الرغم من أولوياتها المتزايدة في أوروبا والشرق الأوسط، والجبهة الجديدة في أميركا اللاتينية لمحاربة مهربي المخدرات.

بينما امتنع المتحدث باسم البيت الأبيض عن الكشف عن جميع محطات الجولة “لاعتبارات أمنية”، يرى دبلوماسيون آسيويون أن هذا الغموض المتعمد يعكس أسلوب ترمب الشخصي في تحويل كل رحلة إلى حدث قائم بذاته، ورسالة موجهة إلى بكين وبيونغ يانغ على حد سواء.

قمة ترمب وشي

يبقى اللقاء المرتقب بين ترمب ونظيره الصيني شي جينبينغ على هامش قمة “أبيك”، والمقرر يوم الخميس، محور اهتمام المراقبين، فبعد إعلانه الصيفي أن اللقاء “قد يكون مفيداً”، تراجع ترمب بعد فرض بكين قيوداً جديدة على المعادن، معتبراً أن “الصين لا تفهم سوى لغة القوة”.

إلا أن ترمب عاد وأكد الأربعاء أنه سيلتقي شي في كوريا الجنوبية، مشيراً إلى أن الأخير يمكن أن يكون له “تأثير كبير” على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتوصّل إلى تسوية للنزاع في أوكرانيا.

الصين تفتح باب الحوار

تشير مؤشرات من بكين إلى أن الصين “تفتح الباب أمام الحوار”، حيث نشرت صحيفة “غلوبال تايمز” افتتاحية قالت فيها إن “اللقاء بين الزعيمين سيكون خطوة ضرورية لإعادة التوازن إلى العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم”.

ويرى خبراء أن هذا اللقاء قد يكون فرصة لترمب لإظهار نفسه “رجل صفقات” على المسرح العالمي، خصوصاً بعد الجدل الذي أثاره قراره بتأجيل قمة بودابست مع بوتين، لكن محللين في واشنطن يعتقدون أن ترمب سيحاول تجنّب أي التزامات طويلة الأمد.

إحياء الدبلوماسية مع كيم

بالتوازي، تعمل دوائر في البيت الأبيض على ترتيب لقاء محتمل بين ترمب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون في المنطقة منزوعة السلاح، في أول محاولة لإحياء التواصل المباشر بين الجانبين منذ انهيار مفاوضات هانوي في عام 2019.

تزامنت هذه المساعي مع إطلاق بيونغ يانغ صواريخ باليستية جديدة باتجاه بحر اليابان، في استعراض قوة أعاد التوتر إلى شبه الجزيرة الكورية.

شروط مسبقة

نقلت وسائل إعلام عن مصادر كورية جنوبية قولها إن واشنطن “تدرس بعناية” إمكانية عقد اللقاء، لكن نجاحه “يعتمد على تجاوب بيونغ يانغ مع شروط مسبقة تتعلق بوقف التجارب الصاروخية”، وهو ما بددته التجربة الصاروخية الأخيرة.

ويرى محللون أن ترمب “يريد استثمار الجولة الآسيوية لتقديم نفسه صانع سلام محتملاً في شبه الجزيرة الكورية”، فيما يقرأ البيت الأبيض الرسالة جيداً.

دبلوماسية “الصفقات”

تعكس الجولة الآسيوية المقبلة نهج ترمب القائم على “الصفقات المتقاطعة”، أي ربط الملفات التجارية بالأمنية والسياسية، بحيث يصبح كل لقاء فرصة لمساومة جديدة، فهو يستخدم الغموض أداة ضغط، ولا يعلن عن جميع محطاته كي يُبقي الجميع في حالة ترقب.

تأتي الجولة في لحظة جيوسياسية حساسة، مع تصاعد الصراع الاقتصادي مع الصين، والتوتر في شبه الجزيرة الكورية، وقلق الحلفاء الآسيويين من تراجع الانخراط الأميركي، ويسعى ترمب من خلال هذه الرحلة إلى تعزيز صورته الدولية وتأكيد أن واشنطن ما زالت القوة المحورية في آسيا.

نهج “الابتزاز”

يقول مسؤول أميركي سابق في مجلس الأمن القومي، إن “ترمب لا يسافر بدافع الدبلوماسية وحدها، بل ليعيد فرض معادلة: من يرد شراكة مع أميركا فعليه أن يدفع ثمناً اقتصادياً أو استراتيجياً”، لكن هذا النهج يثير قلق الحلفاء الذين يرونه أقرب إلى الابتزاز منه إلى التحالف.

بين التكتم الرسمي والتسريبات المتعمدة، تظل جولة ترمب الآسيوية محاطة بالغموض، الذي يمنحه هامشاً واسعاً للمناورة السياسية، ويواجه ترمب اختباراً مزدوجاً: أن يثبت أن الدبلوماسية الشخصية لا تزال قادرة على تحقيق اختراقات، وأن يقنع شركاءه في آسيا بأن الولايات المتحدة ما زالت لاعباً يمكن الوثوق به.

اقرأ أيضا

اخترنا لك