أكد تقرير نشره معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) أن الصراع المستمر في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023 ألقى بظلاله على العلاقات بين مصر وإسرائيل، وكشف عن القوة الحقيقية لمصر في مواجهة القضايا الإقليمية.
العلاقة تحت الاختبار
أوضح التقرير أن الحرب في غزة وضعت “السلام البارد” بين مصر وإسرائيل، والذي بدأ منذ اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، أمام اختبار وجودي يمس استقراره في المستقبل القريب.
أعد التقرير السفيرة أميرة أورون، باحثة أولى في المعهد وسفيرة إسرائيل السابقة في القاهرة (2020-2024)، التي تملك خبرة دبلوماسية تتجاوز 30 عامًا، وشغلت منصبها بمسؤولية داخلية في إدارة العلاقات مع مصر.
التواصل الرسمي في تراجع
أشار التقرير إلى أن القنوات الأمنية والاقتصادية بين القاهرة وتل أبيب لا تزال مفتوحة، ولكن التواصل على مستوى القيادة شهد تراجعًا حادًا، حيث أصبحت العلاقات الدبلوماسية على أدنى مستوياتها، مع غياب سفراء البلدين. وتقتصر الاتصالات على مستويات فنية أو أمنية.
رغم ذلك، يبقى الطرفان بعيدين عن قطع العلاقات رسميًا، مما يعكس وجود “انفصال محسوب” بين الخطاب السياسي والتعاون العملي.
مصر تمسك بالاتفاقيات
وأكد التقرير التزام مصر باتفاقية السلام، حيث شدد وزير الخارجية السابق سامح شكري على أن هذه الاتفاقية تمثل “خيارًا استراتيجيًا”. بدلاً من أن تُعتبر “هدية” من القاهرة، أصبحت تُعرف الآن كـ”مطلب مشروط” مرتبط بإنهاء الاحتلال وتحقيق حل الدولتين.
في الوقت ذاته، تواجه مصر أزمات اقتصادية خطيرة تشمل تضخمًا بلغ 32%، وانهيارًا للجنيه، بالإضافة إلى انخفاض إيرادات قناة السويس بنسبة 70% نتيجة نشاط الحوثيين. وهذا يحتم على القاهرة التوازن بين التزاماتها تجاه القضية الفلسطينية ومصالحها مع إسرائيل والولايات المتحدة.
فرصة لتعزيز الشرعية الداخلية
سلط التقرير الضوء على كيفية استغلال إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للأزمة لتعزيز شرعيتها الداخلية، متخذة موقفًا قوميًا صارمًا ضد أي محاولة لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، مؤكدة على أن “غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية”.
رغم النبرة الإعلامية القاسية ضد إسرائيل، حيث اعتبرت الحرب “إبادة جماعية”، إلا أن السياسة العملية للقاهرة تبقى حذرة، إذ تركز منذ عام 2014 على تأمين حدود سيناء، وإغلاق الأنفاق على طول محور فيلادلفيا، والاقتصار على إدخال المساعدات عبر المعبر المحدد.
دور مصر الإقليمي
كما أشار التقرير إلى أن الحرب أعطت مصر فرصة لاستعادة دورها الإقليمي، الذي تراجع نسبيًا بعد اتفاقيات إبراهيم، حيث تتنافس مع قطر على قيادة جهود الوساطة، مع تفوق واضح في الشرعية العربية.
خلال قمة طارئة عقدت في القاهرة في مارس 2025، قدمت مصر خطة مفصلة لإعادة إعمار غزة، تشمل 90 صفحة، تركز على منع التهجير وضمان إدارة فلسطينية للقطاع.
تحليل التغطية الإعلامية
تناولت التغطية الإعلامية المصرية معاناة الفلسطينيين، مع تجاهل الهجوم الإسرائيلي الأولي، مما يعد خطوة ذات أبعاد استراتيجية بوضوح، تهدف إلى تصفية الحسابات مع إسرائيل، وتشتيت الانتباه عن الأزمات الداخلية.
كما قدمت هذه التغطية الفرصة للرئيس ليظهر كـ”زعيم الأمة” في مواجهة العدو الخارجي.
صعوبة ضمان السلام
خلص التقرير إلى أن “السلام بين مصر وإسرائيل لم يعد كاملًا أو راسخًا”، حيث تزداد الفجوة بين سياسة الدولة ومشاعر الشعب، مما قد يهدد الاستقرار في العلاقات الثنائية.
وأوضح التقرير أن مصر تسعى إلى تحقيق سلام عادل ينهي الاحتلال ويضمن كرامة الشعب الفلسطيني، محذرة من أن السلام الهش سيظل عرضة للانهيار في أي لحظة من اللحظات المقبلة.


