في ظل تزايد الجدل حول الأسس العلمية المعتمدة في اتخاذ القرارات الصحية والسياسية، يتصاعد النقاش حول تعريف “المعيار الذهبي” للعلم، وسط مخاوف من الاعتماد على دراسات أولية أو علوم هامشية، عوضاً عن الأدلة والبراهين المثبتة.
تعريف المعيار الذهبي
في خطوة تهدف إلى استعادة ثقة الجمهور بالعلوم الحكومية، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمراً تنفيذياً بعنوان “استعادة العلم بمعيار ذهبي”، يؤسس لإطار عمل يرتكز على الشفافية، وإمكانية تكرار النتائج، والمراجعة المحايدة، والاعتراف بالأخطاء.
يلزم الأمر الوكالات الفيدرالية بالكشف عن البيانات، وتوضيح الافتراضات، ومراجعة السياسات السابقة، لضمان أعلى مستويات النزاهة في البحث العلمي.
تحديات تواجه العلم الراسخ
أثارت تصريحات مسؤولين أميركيين شكوكاً حول سلامة اللقاحات وفاعليتها، ما يتعارض مع الاستنتاجات العلمية القائمة، وهو ما اعتبره خبراء الصحة “تحولاً من اتخاذ القرارات القائمة على الأدلة إلى صنع الأدلة القائمة على القرارات”.
في سياق متصل، قدم الرئيس ترمب نصائح طبية تستند إلى أدلة ضعيفة، محذراً النساء الحوامل من تناول الأسيتامينوفين، وكرر ربطاً زائفاً بين التوحد واللقاحات، معتمداً على “حدسه” في هذا الشأن.
مخاوف بشأن اللقاحات
خلال اجتماع لمستشاري اللقاحات في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، أثيرت تساؤلات حول تطعيم الأطفال ضد التهاب الكبد الوبائي “ب”، رغم الأدلة التي تؤكد فعاليته في تقليل المرض والوفيات.
علماء يؤكدون أن عملية طرح الأدوية واللقاحات في الولايات المتحدة تعتمد على معايير علمية دقيقة وشفافة، تحظى بتبني معظم دول العالم، ولا يتم اعتماد العلاجات إلا بعد الحصول على موافقة الهيئات التنظيمية الأميركية.
جوهر الأدلة العلمية
يشير مصطلح “المعيار الذهبي” إلى أفضل الأدلة المتاحة، والتي يتم جمعها بناءً على السؤال المطروح، وفقاً للدكتور جيك سكوت من جامعة ستانفورد.
التجارب السريرية العشوائية تُعد من بين أكثر أنواع الدراسات دقة، حيث يتم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين متطابقتين، مع إخفاء انتماء المشاركين والباحثين للمجموعات لتجنب التحيز.
الدراسات الرصدية
في بعض الحالات، يتعذر إجراء تجارب سريرية عشوائية لأسباب أخلاقية، ما يستدعي إجراء دراسات رصدية، يتم فيها تتبع المشاركين دون التلاعب بأي متغيرات.
على الرغم من أن الدراسات الرصدية قد تثبت الارتباط بين متغيرين، إلا أنها لا تثبت السببية بالضرورة، وهو ما يتطلب الحذر في تفسير نتائجها.
أهمية الأدلة الواقعية
الأدلة الواقعية، التي يتم جمعها من خلال مراقبة تأثير شيء ما على عدد كبير من الناس في حياتهم اليومية، يمكن أن تكون فعالة في إثبات مدى فاعلية العلاجات، والكشف عن الآثار الجانبية النادرة.
هذه الأدلة أثبتت فائدتها في تقييم اللقاحات، حيث ساهمت في الكشف عن آثار جانبية نادرة، وتأكيد الحماية التي توفرها اللقاحات من الأمراض، مثل القضاء على الحصبة في الولايات المتحدة.
العلم المفتوح والشفاف
العلم الحقيقي يتطلب الشفافية والانفتاح، ويشمل ذلك تحديد الفرضيات قبل البدء بالدراسة، والإفصاح عن تضارب المصالح ومصادر التمويل، وإخضاع البحث لمراجعة الأقران، ونشر البيانات التي تقوم عليها التحليلات.
هذه الشفافية تُمكّن العلم من مراجعة نفسه، وتتيح للباحثين الآخرين التحقق من النتائج والتوصل إلى استنتاجاتهم الخاصة.
تحليل الدراسات العلمية
يجب النظر إلى الدراسات الفردية في سياق الأبحاث السابقة، مع إيلاء اهتمام خاص للدراسات التي تتعارض مع نتائج أخرى أُجريت بشكل جيد.
العلم لا يهدف إلى الوصول إلى اليقين المطلق، بل إلى تقليل عدم اليقين إلى الحد الذي يمكن من خلاله القول بثقة كبيرة أن إجراء معين سيؤدي إلى نتيجة معينة، ولكن دون ضمان مطلق.
أسئلة هامة للتحقق
عند العثور على بحث علمي، يجب طرح أسئلة حول الجهة التي أجرته، وخبرتها، والإفصاح عن تضارب المصالح، والجهة التي مولت البحث، والجهة التي قد تستفيد منه.
من الضروري أيضاً التحقق مما إذا كان البحث قد نُشر في مجلة علمية مرموقة وخضع لمراجعة الأقران، وما هو السؤال الذي يطرحه الباحثون، وما هي القيود التي يشيرون إليها في بحثهم.


