الآثار السودانية وبسبب الأوضاع المأساوية في البلاد أصبحت سلعة تباع وتشترى على شبكة الإنترنت دون أن تجد من يحميها، بعدما تعرضت العديد من المتاحف الوطنية السودانية ومنها المتحف القومي لعمليات نهب عقب اندلاع الحرب المدمرة في السودان والمستمرة منذ أكثر من 17 شهراً.
بيع الآثار السودانية على الإنترنت
الكارثة تكمن في أن القطع الأثرية المنهوبة من المتاحف السودانية تباع بشكل علني عبر الإنترنت، وخاصة على مواقع مثل “إي باي -“eBay ، ويتم الترويج لها على أنها آثار مصرية الأمر الذي يضاعف حجم المأساة والتحدي أمام الحفاظ على التراث مع الخلط بين الآثار المصرية والسودانية.
واكتشف عدد من الخبراء قطع أثرية سودانية -تشمل لوحات وقطع ذهبية وفخارية- معروضة للبيع على موقع “إي باي” تحت مسمى آثار مصرية، بالإضافة إلى انتشار بعض الإعلانات على منصات التواصل الاجتماعي تعرض بيع قطعة أثرية منها ثلاثة تماثيل على قاعدة حجرية واحدة لرجل وامرأة وطفل تم وصفها بأنها آثار مصرية قديمة معروضة للبيع بسعر 280 دولاراً.
سرقة مخزن المتحف القومي السوداني
ورغم ترجيح بعض خبراء الآثار السودانية أن التمثال المعروض على وسائل التواصل الاجتماعي ما هو إلا نسخة مقلدة من قطعة موجودة بالفعل في المتحف الوطني بالخرطوم، إلا أن الدكتورة غالية جار النبي مسؤولة الهيئة القومية للآثار والمتاحف في السودان، أكدت أنها شاهدت صوراً لآثار معروضة للبيع عبر الإنترنت، وبعد مراجعة هذه الصور، تم التأكد من أن مخزن المتحف القومي في الخرطوم تعرض للسرقة.
وأوضحت غالية جار النبي أنه حتى الآن لم يتم تأكيد ما إذا كان المخزن قد نهب بالكامل أم بشكل جزئي، وكشفت في تصريحات إعلامية عن تفاصيل مروعة تتعلق بسرقات استهدفت المتاحف السودانية، هذه الجرائم لم تقتصر على متحف السودان القومي فحسب، بل شملت أيضًا متحف بيت الخليفة في أم درمان، ومتحف آخر في نيالا بجنوب دارفور.
وشددت الدكتورة غالية على أن هذه الاعتداءات لا تهدد التراث السوداني فحسب، بل تعرض الهوية الثقافية للأجيال القادمة للخطر.
الآثار يتم تهريبها من جنوب السودان
وقالت إخلاص عبد اللطيف، مديرة المتاحف في الهيئة القومية للآثار ورئيس لجنة استرداد الآثار السودانية، إلى أن عمليات النهب شملت خروج شاحنات محملة بالقطع الأثرية المخزنة من المتحف، حيث تم رصد هذه الشاحنات عبر الأقمار الصناعية وهي تتجه غرباً عبر أم درمان لتصل إلى المناطق الحدودية، وخاصة على الحدود مع جنوب السودان.
تهديد مباشر للتاريخ
استهداف المتاحف السودانية أثار موجة من الغضب في الأوساط الثقافية، حيث أصدرت جمعية أصدقاء المتاحف السودانية بيانًا شديد اللهجة نددت فيه بهذه الجرائم، مشيرةً إلى أن الفوضى التي تعيشها البلاد ساهمت في تسهيل عمليات السرقة.
وأطلقت منظمة اليونسكو تحذيرات بشأن تزايد وتيرة النهب الذي يطال المواقع الأثرية والمتاحف في السودان، ودعت المجتمع الدولي وسوق الفن العالمي إلى الامتناع عن التعامل مع القطع الأثرية المسروقة، كما أعلنت عن مبادرات لتدريب مسؤولي إنفاذ القانون والقضاء في دول الجوار مثل مصر لتعزيز الجهود الرامية لحماية التراث السوداني.
وردًا على هذه التهديدات المتزايدة، قامت السلطات السودانية بالتنسيق مع منظمة الإنتربول لتعقب الجناة واستعادة القطع الأثرية المسروقة، هذه الخطوة تأتي في إطار محاولة إنقاذ ما تبقى من التراث السوداني الذي يواجه تحديات غير مسبوقة.
بيع الآثار السودانية بـ 200 دولار
وتزايدت المخاوف بعد تداول بيع القطع الأثرية السودانية المسروقة على شبكة الإنترنت، حيث أفادت صحيفة “تايمز” البريطانية أن بعض القطع تُعرض للبيع بأسعار زهيدة مثل 200 دولار وذلك بعد تهريبها من المتحف القومي في الخرطوم، وتشمل هذه القطع الأثرية قطعًا نادرة من العصر الحجري القديم إلى جانب آثار فرعونية ونوبية.
المتحف القومي السوداني
افتُتح المتحف القومي في السودان عام 1971، ويقع على ضفة النيل الأزرق في العاصمة الخرطوم، يحتوي المتحف على مجموعة متنوعة من القطع الأثرية التي تعكس تاريخ السودان بدءاً من العصور الحجرية وحتى الفترة الإسلامية، مروراً بالآثار النوبية والمسيحية، ولعب المتحف دوراً مهماً في الحفاظ على الآثار النوبية والمصرية التي تم إنقاذها خلال فترة بناء السد العالي في أسوان.
في عام 2020 أغلق المتحف القومي بهدف إجراء أعمال صيانة، وكان من المقرر إعادة افتتاحه في مطلع عام 2023 بعد نقل تمثال الملك ترهاقا خامس ملوك مملكة كوش إلى داخله، إلا أن الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 حالت دون إعادة افتتاحه، ما جعل تلك الكنوز الأثرية تحت تهديد النهب والدمار.
ينتظرها السوق السوداء
تشير التقارير إلى أن العديد من القطع الأثرية السودانية قد تجد طريقها إلى الأسواق العالمية عبر السوق السوداء، ما يستدعي تدخل المنظمات الدولية مثل اليونسكو والشرطة الدولية (الإنتربول) لملاحقة هذه القطع ومنع بيعها، اليونسكو قامت بإصدار قوائم حظر لمتابعة هذه القطع المسروقة ومنع تداولها في السوق السوداء، لكنها بحاجة إلى تعاون الحكومات والمجتمعات المحلية للحد من هذه الجرائم.
يواجه السودان اليوم تحديات جسيمة في الحفاظ على تراثه الثقافي في ظل الحرب والنهب المنظم، خاصة وأن الآثار ليست مجرد مقتنيات مادية، بل هي جزء من هوية الأمة، ونهب الآثار السودانية لا يهدد فقط التراث الثقافي للبلاد، بل يُعرض تاريخها القديم للخطر.