مع حلول العام الجديد 2025، يترقب ملايين اللبنانيين ظهور “الرئيس المنتظر” خلال الجلسة النيابية التي تُعقد غدًا الخميس، بعد أكثر من عامين ظلت خلالها البلاد في قبضة “الفراغ الرئاسي” بسبب شغور منصب رئيس الجمهورية مطلع نوفمبر 2022.
بداية الأزمة كانت مع انتهاء المهلة الدستورية المقررة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية خلفاً للرئيس السابق، العماد ميشال عون، التي امتدت من 1 سبتمبر حتى 31 أكتوبر 2022.
الفراغ الرئاسي في لبنان
ودخل لبنان دستورياً فيما يُعرف بـ”الفراغ الرئاسي” في الأول من نوفمبر2022، بعدما فشل مجلس النواب اللبناني لأربع مرات متتالية طوال المهلة الدستورية في انتخاب رئيس جديد للبلاد، لا سيما مع عدم وجود أي فريق في مجلس النواب يملك أكثرية تخول له اختيار الرئيس.
وبعدها، توالت جلسات مجلس النواب اللبناني المخصصة لانتخاب رئيس جديد حتى بلغ عددها 12 جلسة فشلت جميعها في اتمام الاستحقاق الرئاسي، حيث عُقدت هذه الجلسات في ظل استمرار غياب التوافق الوطني حول اسم جامع يتفق عليه الفرقاء اللبنانيين.
وبحسب المادة 73 من الدستور اللبناني، فإن مرحلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية تبدأ قبل موعد انتهاء ولاية الرئيس بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر، حيث يجتمع مجلس النواب بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد.
بينما تُحدد المادة رقم 49 آلية انتخاب الرئيس التي تُجرى من قبل مجلس النواب البالغ عدد أعضائه 128 عضواً، ويتم الانتخاب عبر الاقتراع السري بأغلبية الثلثين من أعضاء المجلس في الدورة الأولى، فيما يكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التالية. وتُحدد مدة ولاية الرئيس بـ6 سنوات، ولا يجوز عند انتهاء هذه المدة إعادة انتخابه إلا بعد انقضاء 6 سنوات آخرى.
مشهد النهاية
والسؤال الآن: هل يظهر “الرئيس المنتظر” في جلسة الغد “الخميس”؟.. وردًا على ذلك توضح ميساء عبد الخالق، الكاتبة والمحللة السياسية اللبنانية، أن جلسة مجلس النواب المقرر عقدها في غدًا قد تكتب مشهد النهاية في أزمة “الفراغ الرئاسي” بعدما تسببت في أوضاع بالغة السوء، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، ما جعل لبنان يُعاني واحدة من أشد ثلاث أزمات على مستوى العالم.
وأشارت الكاتبة والمحللة اللبنانية إلى أن اللبنانيين يترقبون مع حلول العام الجديد ظهور “الرئيس المنتظر”، ويتطلعون إلى انتخاب “رئيس مُنقذ” يتعاون مع رئيس الحكومة المقبلة من أجل تشكيل “حكومة إنقاذ وطني”، ويتبنى برنامج إصلاحي يُرمم الأوضاع المعيشية الصعبة والأزمات الطاحنة التي يشهدها لبنان، ويضع علاج جذري للأزمة اللبنانية وأبعادها المختلفة.
الأجواء مؤهلة
وفي السياق ذاته، يرى أسعد بشارة، الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، أن الأجواء مؤهلة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، لا سيما في ظل المساعي الحثيثة التي تبذلها مختلف الأطراف الإقليمية والدولية لدفع الفرقاء اللبنانيين للاتفاق على شخص “الرئيس المنتظر”.
وقال بشارة: إن ملايين اللبنانيين يأملون في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بشرط أن يكون محايداً، ولا يكون خاضعاً لأي طرف من الأطراف السياسية، وقد بات ذلك الأمر ضرورة ملحة في ظل تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يُعاني منها لبنان في الوقت الراهن، وقد ساهم شغور الموقع الرئاسي لمدة أكثر من عامين في جزء كبير من تفاقم هذه الأزمات.
ليست المرة الأولى
يُذكر أن أزمة “الفراغ الرئاسي” ليست جديدة على لبنان، حيث سبق أن شهد شغوراً في منصب رئيس الجمهورية 3 مرات: الأولى كانت في الفترة بين سبتمبر1988 ونوفمبر1989، بعدما فشل البرلمان في اختيار مرشح بديل للرئيس اللبناني آنذاك، أمين الجميل، في خضم الحرب الأهلية الطاحنة.
والثانية كانت في الفترة بين نوفمبر 2007 ومايو 2008، بعدما انتهت ولاية الرئيس الأسبق، إميل لحود، ولم يتم التوافق على مرشح بديل له، وقد انتهى الشغور الرئاسي بانتخاب قائد الجيش، ميشال سليمان، رئيساً للجمهورية.
وفي المرة الثالثة كان الشغور الرئاسي الأطول في تاريخ لبنان حيث استمر لمدة 29 شهراً، وتحديداً في الفترة بين مايو 2014 وأكتوبر 2016، وخلالها عقد مجلس النواب اللبناني 46 جلسة لانتخاب مرشح بديل للرئيس السابق، ميشال سليمان، الذي انتهت ولايته في مايو2014، وانتهى الشغور الرئاسي بانتخاب ميشال عون رئيساً للبلاد في 31 أكتوبر2016.
حكومة عاجزة
وتزامنت أزمة “الفراغ الرئاسي” الحالية مع وجود حكومة تصريف أعمال تعجز عن اتخاذ قرارات ضرورية، لا سيما فيما يتعلق بتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية ونقدية يضعها المجتمع الدولي شرطاً لإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار.
وعادة ما تكون حكومة تصريف الأعمال محدودة الصلاحيات إلى حد ما، فلا يمكنها اقتراح مشاريع قوانين، أو توقيع معاهدات، أو اتخاذ قرارات مصيرية تكون ملزمة للحكومة التي تأتي بعدها.
انتقال صلاحيات الرئيس
ومع دخول لبنان في الفراغ الرئاسي، انتقلت صلاحيات الرئيس إلى مجلس الوزراء الذي يتمثل في حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، وهو الأمر الذي أثار جدلاً سياسياً وقانونياً حول دستورية أو عدم دستورية تولي حكومة تصريف الأعمال لمهام رئيس الجمهورية.
وشهد لبنان خلال الـ17 عاماً الأخيرة، وتحديداً في الفترة بين عامي 2006 و2022، نحو 6 حكومات تصريف أعمال، الأولى حكومة فؤاد السنيورة (2006ـ2008)، الثانية حكومة نجيب ميقاتي (مارس 2013- فبراير2014)، الثالثة حكومة تمام سلام (2014ـ2016)، الرابعة حكومة سعد الحريري (مايو 2018- يناير2019)، الخامسة حكومة حسان دياب (أغسطس 2020 ـ سبتمبر2021)، والسادسة حكومة ميقاتي الحالية.