السبت 28 يونيو 2025
spot_img

بعد استيرادها من إيران.. روسيا تطور المسيرة “شاهد 136” بقدرات ذكاء اصطناعي

في سماء أوكرانيا، أسقطت الدفاعات الجوية طائرة “شاهد 136” روسية، لتكشف عن تطور لافت في المسيرة التي استوردتها روسيا من إيران، وأن هذه النسخة المتطورة مزودة بأنظمة ملاحة متقدمة واتصال بشبكات الهاتف المحمول، مما يشير إلى تحول روسيا من الاعتماد على الاستيراد إلى صناعة طائرات مسيرة محلية قوية.

تقارير استخباراتية أوكرانية، نُشرت في 27 يونيو 2025، عبر وسائل إعلام مثل “أوكرينسكا برافدا”، أشارت إلى أن هذه الطائرات المسيرة تتضمن الآن مكونات روسية الصنع وتتصل بشبكات الهاتف المحمول الأوكرانية لنقل البيانات في الوقت الفعلي، وهو تطور يؤكد براعة موسكو الصناعية المتنامية.

هذا التحول، الذي يتركز في مراكز إنتاج مثل “ألابوغا” و”كوبول”، يمثل لحظة محورية في الحرب، حيث تتحدى الطائرات المسيرة منخفضة التكلفة الدفاعات عالية التقنية وتعيد تشكيل اقتصاديات الصراع الحديث. يثير هذا التطور تساؤلات حول سباق التسلح العالمي ومستقبل التكنولوجيا العسكرية ميسورة التكلفة والقابلة للتطوير.

“شاهد 136” سلاح روسي فعال

“شاهد 136″، في الأصل ذخيرة متسكعة إيرانية التصميم، أصبحت حجر الزاوية في حملة روسيا الجوية ضد أوكرانيا. تم نشر هذه الطائرات المسيرة لأول مرة في سبتمبر 2022، وغالبًا ما يطلق عليها اسم “جيران-2” في الخدمة الروسية، وهي مركبات جوية غير مأهولة ذات محركات مروحية ومحملة بالمتفجرات مصممة للاصطدام بالأهداف بتأثير مدمر.

تكلفتها المنخفضة – والتي تقدر بحوالي 20 ألف دولار للوحدة في 2023، على الرغم من أن الترقيات الأخيرة ربما زادت هذا الرقم – تجعلها أداة فعالة من حيث التكلفة لإغراق الدفاعات الجوية.

تتضمن أحدث الإصدارات، التي تحمل علامة سلسلة “MS”، ميزات متقدمة مثل كاميرات التصوير الحراري ووحدات الذكاء الاصطناعي وأنظمة الملاحة المحسّنة، مما يعكس طموح روسيا للسيطرة على سوق الطائرات المسيرة منخفضة التكلفة.

تصنيع محلي متزايد

كانت رحلة روسيا من استيراد طائرات “شاهد 136” الإيرانية إلى إنتاجها محليًا سريعة ومدروسة. بحلول منتصف عام 2023، أنشأت موسكو منشآت إنتاج في منطقة “ألابوغا” الاقتصادية الخاصة في تتارستان، وهي مجمع صناعي مترامي الأطراف على بعد 1200 كيلومتر من الخطوط الأمامية لأوكرانيا.

تشير التقارير الأخيرة إلى أن المنشأة أنتجت أكثر من 26 ألف وحدة، مع وصول القدرة الإنتاجية إلى ما يقرب من 170 طائرة مسيرة يوميًا اعتبارًا من مايو 2025، وخطط لزيادتها إلى 190 بحلول نهاية العام.

موقع ثانٍ، هو مصنع “كوبول” الكهروميكانيكي في إيجيفسك، بدأ أيضًا في تجميع هذه الطائرات المسيرة، والتي تتميز بعلامات الأرقام التسلسلية البيضاء مقارنة بعلامات “ألابوغا” الصفراء، مما يشير إلى لامركزية متعمدة للإنتاج للتخفيف من المخاطر الناجمة عن العقوبات أو الهجمات.

تحديات سلاسل الإمداد

تتيح بطاقات “SIM” للطائرات المسيرة إرسال البيانات عبر شبكات الهاتف المحمول الأوكرانية، وهو تكتيك يسمح للقوات الروسية بجمع معلومات استخبارية في الوقت الفعلي عن الدفاعات الجوية الأوكرانية. ومع ذلك، يثير الاعتماد على المكونات المحلية تساؤلات حول مرونة سلسلة التوريد، خاصة بالنظر إلى العقوبات الغربية التي تستهدف وصول روسيا إلى الإلكترونيات المتقدمة.

تشير مصادر أوكرانية إلى أن بعض المكونات لا تزال قادمة من أطراف ثالثة في الولايات المتحدة وألمانيا وتايوان وسويسرا، ويحتمل أن يتم الحصول عليها من خلال الأسواق الرمادية للتحايل على القيود.

المزايا اللوجستية واضحة: الإنتاج المحلي يقلل التكاليف ويسرع التسليم ويسمح لروسيا بتكييف الطائرات المسيرة لتلبية الاحتياجات التشغيلية المحددة. ومع ذلك، لا تزال هناك نقاط ضعف.

منصة متعددة المهام

تطورت “شاهد 136” إلى أبعد من مخططها الإيراني الأصلي، لتظهر كمنصة معيارية مماثلة للطائرات المسيرة التجارية مثل سلسلة “DJI Mavic” الصينية أو “Bayraktar TB2” التركية. يوضح أحدث متغير لها “MS”، الذي تم إسقاطه في مقاطعة “سومي” الأوكرانية في يونيو 2025، ترقيات كبيرة.

تتفاصيل تقارير الاستخبارات الأوكرانية طائرة مسيرة مجهزة بنظام هوائي ذي نمط إشعاع يتم التحكم فيه بأربعة هوائيات [CRPA]، وهو تحسين على أنظمة الملاحة “ناصِر” السابقة ذات الثماني قنوات من إيران.

يعزز إعداد “CRPA” هذا، القادر على استقبال إشارات “GPS” في نطاقات “L1” و “L5″، مقاومة الحرب الإلكترونية الأوكرانية، التي غالبًا ما تنتحل إشارات الأقمار الصناعية لتضليل الطائرات المسيرة.

تنوع الرؤوس الحربية

كما تنوعت الرؤوس الحربية للطائرة المسيرة. في حين أن النماذج الأولية تحمل حمولات شديدة الانفجار تزن 50 كيلوغرامًا، تتضمن الإصدارات الأحدث خيارات للرؤوس الحربية الحارقة والحرارية، حيث يصل بعضها إلى 90 كيلوغرامًا. تتيح هذه التعديلات لـ “شاهد 136” استهداف مجموعة من الأهداف، من البنية التحتية إلى المواقع المحصنة.

يمثل تضمين كاميرات التصوير الحراري ووحدات الذكاء الاصطناعي، مثل معالج “Nvidia Jetson Orin”، قفزة في القدرات. تتيح هذه الأنظمة رؤية آلية للتعرف المستقل على الهدف، مما يسمح للطائرة المسيرة بتحديد التوقيعات الحرارية أو الأشكال حتى في البيئات المحرومة من نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).

مزايا لوجستية وتسويقية

يوفر إنتاج روسيا اللامركزي لـ “شاهد 136” فوائد لوجستية تعزز استراتيجيتها في زمن الحرب. من خلال تقسيم التجميع بين “ألابوغا” و “كوبول”، تقلل موسكو من خطر نقطة فشل واحدة، وهو اعتبار بالغ الأهمية بعد الضربات الأوكرانية على مواقع الإنتاج.

يشير استخدام بطاقات “SIM” الروسية غير المميزة، كما ورد في الاستخبارات الأوكرانية، إلى تحول بعيدًا عن تبعيات الاتصالات الأجنبية. تتيح بطاقات “SIM” هذه، التي يُحتمل الحصول عليها من خلال الأسواق الرمادية، للطائرات المسيرة الاتصال بشبكات الهاتف المحمول الأوكرانية، ونقل البيانات عبر برامج الدردشة الآلية على تطبيقات المراسلة الشائعة.

مزايا اقتصادية كبيرة

تعتبر المزايا الاقتصادية كبيرة بنفس القدر. يقلل إنتاج الطائرات المسيرة محليًا من الاعتماد على الواردات الإيرانية، التي واجهت عقبات لوجستية وتدقيقًا دوليًا. في حين أن التكاليف الدقيقة غير واضحة، تشير التقديرات إلى أن كل طائرة “شاهد 136” تكلف روسيا ما بين 20 ألف دولار و 200 ألف دولار، اعتمادًا على الترقيات.

يمثل هذا جزءًا صغيرًا من سعر صواريخ الدفاع الجوي الغربية، مثل صواريخ “باتريوت” الاعتراضية البالغة 4 ملايين دولار المستخدمة لمواجهتها. تتيح القدرة على إنتاج ما يقرب من 100 طائرة مسيرة يوميًا لروسيا الحفاظ على عمليات عالية الوتيرة، حيث تشير التقارير الأوكرانية إلى إطلاق 2736 طائرة “شاهد” في يونيو 2025 وحده، أي ما يقرب من 9.5٪ من 28743 طائرة تم نشرها منذ فبراير 2022.

الابتكار أم التكيف؟

يثير التقدم الذي أحرزته روسيا في برنامج “شاهد 136” سؤالاً حاسماً: هل تبتكر موسكو أم أنها مجرد تكييف التكنولوجيا الإيرانية؟ يشير التحول إلى الإنتاج المحلي، إلى جانب الترقيات مثل وحدات الذكاء الاصطناعي وهوائيات “CRPA”، إلى قدرة متزايدة في البحث والتطوير.

تلاحظ الاستخبارات الأوكرانية دمج المكونات والبرامج الروسية الصنع، مما يشير إلى التحرك نحو الاكتفاء الذاتي. ومع ذلك، يشير وجود الأجزاء الغربية والإيرانية في الطائرات المسيرة التي تم إسقاطها إلى اتباع نهج هجين، يمزج بين التكيف والابتكار التدريجي.

بالمقارنة مع المنافسين العالميين، فإن جهود روسيا ملحوظة ولكنها ليست فريدة من نوعها. توفر “Bayraktar TB2” التركية، التي تبلغ قيمتها 2 مليون دولار للوحدة، دقة وتعدد استخدامات ولكنها تفتقر إلى ميزة التكلفة التي تتمتع بها “شاهد”.

اقتصاديات الكفاءة

يكمن أعظم قوة لـ “شاهد 136” في فعاليتها من حيث التكلفة. بتكلفة تقدر بـ 20 ألف دولار إلى 200 ألف دولار للوحدة، فهي صفقة رابحة مقارنة بأنظمة الدفاع الجوي التي تبلغ قيمتها عدة ملايين من الدولارات والتي تستهدفها. يكلف صاروخ “باتريوت” الواحد، على سبيل المثال، حوالي 4 ملايين دولار، بينما تتراوح قيمة صواريخ “NASAMS” الاعتراضية من مليون دولار إلى مليوني دولار.

تتمثل استراتيجية روسيا في إطلاق أسراب – أحيانًا أكثر من 100 طائرة مسيرة في ليلة واحدة – في إجبار أوكرانيا على إنفاق ذخائر باهظة الثمن، مما يستنزف الموارد. في هجوم بارز في 17 يونيو 2025، أطلقت روسيا 104 طائرات مسيرة من طراز “شاهد”، حيث اعترضت الدفاعات الجوية الأوكرانية جميعها باستثناء أربع طائرات، وهو دليل على مرونة أوكرانيا والضغط الاقتصادي الذي تفرضه هذه الهجمات.

آفاق “شاهد 136” التصديرية

يثير نجاح “شاهد 136” في أوكرانيا إمكانية تصديرها إلى مناطق أخرى. يشير تاريخ روسيا في بيع الأسلحة إلى دول مثل سوريا وفنزويلا والدول الأفريقية إلى أسواق محتملة، لا سيما للطائرات المسيرة منخفضة التكلفة ومتعددة الاستخدامات.

ظهرت الطائرات المسيرة الإيرانية، بما في ذلك سلسلة “شاهد”، بالفعل في صراعات في الشرق الأوسط، ويمكن أن يمكّنها الإنتاج المحلي الروسي من منافسة المصدرين الراسخين مثل تركيا والصين. إن التصميم المعياري والقدرة على تحمل التكاليف التي تتمتع بها “شاهد” تجعلها جذابة للدول التي تسعى إلى قوة جوية فعالة من حيث التكلفة، وخاصة تلك الخاضعة للعقوبات أو ذات الميزانيات المحدودة.

تحول في مسار الصناعة

يمثل تحول روسيا لـ “شاهد 136” من واردات إيرانية إلى منصة منتجة محليًا ومتقدمة تقنيًا نقطة تحول في الحرب الحديثة. يعكس تصميم الطائرة المسيرة المعياري، المعزز بالذكاء الاصطناعي والتصوير الحراري والاتصال بشبكات الهاتف المحمول، قدرة موسكو على التكيف وتوسيع نطاق الإنتاج تحت الضغط.

اقرأ أيضا

اخترنا لك