تسعى الولايات المتحدة إلى فهم توجهات الإدارة الجديدة في سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، في خطوة قد تعكس دروسًا مستفادة من تجربتها السابقة مع حركة “طالبان” في أفغانستان.
اجتماعات دبلوماسية
التقى ثلاثة من كبار الدبلوماسيين الأميركيين في دمشق مع زعماء “هيئة تحرير الشام”، الجماعة التي تولت قيادة الفصائل المسلحة للإطاحة بنظام الأسد، حيث تصنفها الولايات المتحدة كتنظيم إرهابي. واستهدفت هذه الاجتماعات تشجيعهم على تبني طريقة حكم “شاملة ومعتدلة”.
أكدت التقارير الصحفية، ومنها ما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، أن المسؤولين الأميركيين يأملون بهذه الخطوة أن يتجنبوا انزلاق سوريا إلى موجة من العنف والفوضى يمكن أن تهدد استقرار الشرق الأوسط.
مواقف القيادة الجديدة
أفادت باربرا ليف، المسؤولة البارزة في وزارة الخارجية الأميركية، بأن زعيم “هيئة تحرير الشام” أحمد الشرع أبدى “تصريحات معتدلة” حول قضايا حقوق الإنسان، مؤكدًا أن “الجماعات الإرهابية لن تعمل داخل سوريا”.
على الرغم من ذلك، يبدي المسؤولون الأميركيون قلقًا بشأن نوايا الشرع، معتبرين أن تصريحاته قد تكون محاولة لكسب دعم دولي في سعيه لتعزيز سلطته، مشابهًا لما حدث مع “طالبان” في أفغانستان.
التجربة الأفغانية
قبل انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان عام 2021، سعى المفاوضون الأميركيون إلى إيصال “طالبان” لاتفاق لتقاسم السلطة مع الفصائل المحلية. وقد تبين لاحقًا أن هذه الجهود لم تؤدِ إلى تغييرات حقيقية في سلوك الحركة.
عقب مغادرة القوات الأميركية، استولت “طالبان” على كابول وأعادت فرض قيود صارمة على حقوق النساء والتعليم، مما زادت قلق المسؤولين الأميركيين من تكرار هذا السيناريو في سوريا.
تحذيرات بلينكن
كشف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في حديثه لمجلس العلاقات الخارجية، عن دروس أفغانستان، مشددًا على أن “طالبان” قدمت وجهًا معتدلًا قبل أن تكشف عن نواياها الحقيقية بعد استيلائها على السلطة.
ردًا على التصريحات المتعلقة بسوريا، نفى الشرع رغبته في تحويل سوريا إلى نموذج أفغاني، مشيراً إلى اختلاف التقاليد والعقليات بين البلدين. ووصف الحالة التعليمية للنساء في إدلب بأنها “منافسة إيجابية”، إذ أشاد بنسبة التحاق النساء بالجامعات.
قلق الولايات المتحدة
في السياق، ذكرت الولايات المتحدة في بيان مشترك مع عدة دول حول الوضع في أفغانستان، وخاصة فيما يتعلق بحقوق النساء، مما يعكس استمرار التوتر بين القيم الأميركية والانتهاكات المحتملة.
يقول كولن كلارك من مجموعة “صوفان” للأبحاث إن الدرس المستفاد من أفغانستان يشير إلى محدودية النفوذ الغربي، مما يعكس تعقيدات الموقف السوري.
الشروط الأميركية
تشعر الولايات المتحدة بجزء من الاطمئنان في كيفية إدارة “هيئة تحرير الشام” للمناطق الخاضعة لسيطرتها، مما دفعها لتعليق مكافأة كانت قد رصدتها سابقًا مقابل معلومات عن الشرع.
لكن المسؤولين الأميركيين لا يعتزمون رفع اسم “هيئة تحرير الشام” عن قائمة الإرهاب الأميركية إلا إذا أثبتت الجماعة أنها تدعم أقوالها بالأفعال، حيث يؤكدون أن “الأفعال هي الشيء الحاسم” في هذه القضية.
دروس في المشاركة
يوصي بعض الخبراء بتبني نهج أكثر نشاطًا في التعامل مع الوضع في سوريا، مشيرين إلى أن التجربة الحالية قد تشبه ما جرى في أفغانستان، حيث إن التحركات المبكرة قد تكون ذات أثر أكبر في التأثير على الأحداث.
ويضيف زلماي خليل زاد، المبعوث السابق إلى أفغانستان، أن قرار إدارة بايدن عدم التواصل بشكل أكبر مع “طالبان” قد يكون قرارًا خاطئًا، مشيدًا بالاجتماعات الحالية مع “هيئة تحرير الشام” كخطوة إيجابية نحو معالجة القضايا السورية الهامة.