صراعات حادة تظهر داخل الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة بشأن انتقاد إسرائيل، وذلك بعد دفاع رئيس مؤسسة “هيريتيج” كيفين روبرتس عن الإعلامي تاكر كارلسون، إثر استضافته شخصية مثيرة للجدل. هذا الجدل الإعلامي تحول إلى أزمة فكرية وأخلاقية، كاشفًا عن انقسامات عميقة حول دعم إسرائيل.
روبرتس وصف منتقدي كارلسون بـ”تحالف سامّ يسعى للإلغائه”، مؤكدًا استمرار علاقته بمقدم البرامج السابق في “فوكس نيوز”. ورغم رفضه لأفكار فوينتس المتطرفة، دعا إلى مواجهة الأفكار بالحوار بدلًا من العقاب، مما أثار استياء واسعًا.
هذا الدفاع العلني، الصادر عن مؤسسة فكرية يمينية مؤثرة، يأتي في وقت يواجه فيه الحزب الجمهوري أزمة هوية بعد اتهامات شخصيات يمينية بالترويج لخطاب معاد للسامية أو متعاطف مع رموز نازية.
أزمة تتجاوز الإعلام
كارلسون واجه انتقادات حادة بعد مقابلته مع فوينتس، المعروف بإنكاره للمحرقة وتصريحاته المثيرة للجدل حول “اليهود وهيمنتهم على الإعلام”.
وخلال المقابلة، سخر كارلسون من دعم بعض الجمهوريين لإسرائيل، معتبراً أنهم مصابون بـ”فيروس في الدماغ”، مما أثار ردود فعل غاضبة داخل الحزب.
الخلافات تجاوزت الجدل الشخصي، لتطرح سؤالًا أوسع حول ما إذا كان انتقاد إسرائيل يُصنف تلقائيًا ضمن معاداة السامية داخل اليمين الأميركي.
انقسام جمهوري حول إسرائيل
هذه الأزمة تتزامن مع تصاعد خطاب معاد لليهود في أوساط اليمين الشاب بالحزب الجمهوري. تقارير كشفت عن رسائل في مجموعات “تلغرام” تضمنت نكاتًا عن المحرقة وإشادات بهتلر.
السيناتور تيد كروز حذر من تصاعد معاداة السامية في اليمين الأميركي، بينما وجه نائب الرئيس جي دي فانس النقاش نحو الحزب الديمقراطي، مذكراً باتهامات مماثلة طالت بعض مرشحيه.
فانس دعا إلى سياسة “أميركا أولًا” في العلاقات مع إسرائيل، مشددًا على أن العلاقة يجب أن تكون قائمة على المصالح المشتركة، وليس على العواطف الدينية.
“هيريتيج” في عين العاصفة
مؤسسة “هيريتيج” كانت المرجع الفكري للمحافظين الأميركيين، لكن مواقف رئيسها الحالي تعكس تحولًا نحو الشعبوية “الترمبية”.
أزمة روبرتس لم تتوقف عند دفاعه عن كارلسون. تقارير كشفت عن استقالات جماعية من “فريق مكافحة معاداة السامية” داخل المؤسسة، واتهامات له بـ”التغطية على أقصى اليمين”.
خلال اجتماع عاصف، ووجه روبرتس بدعوات للاستقالة بسبب ما وصف بـ”إخفاق أخلاقي في مواجهة الكراهية”، بعد قوله إن فوينتس يملك جمهورًا يمكن جذبه نحو التيار المحافظ.
تراجع دعم إسرائيل
استطلاعات الرأي تشير إلى انخفاض نسبة الجمهوريين الذين ينظرون إلى إسرائيل بإيجابية، مما يعكس تراجع الحماس التقليدي المرتبط بدعم إسرائيل داخل القاعدة اليمينية.
محللون يرون أن هذا التحول يعكس “تعبًا من الحروب الخارجية”، ورغبة في التركيز على الشأن الداخلي، مما يسهل على أطراف متطرفة الترويج لخطاب يخلط بين نقد إسرائيل وكراهية اليهود.
كارلسون بات يجذب هذه الفئة عبر خطابه، الذي يصفه البعض بأنه “إعادة تدوير ناعمة لنظريات المؤامرة القديمة حول نفوذ اليهود في السياسة والإعلام”.
بين حرية التعبير والكراهية
روبرتس وأنصاره يرون أن تهمة معاداة السامية تستخدم كسلاح لإسكات الأصوات الناقدة لإسرائيل. بينما يرى المحافظون التقليديون أن هذا المنطق يخلط بين حرية التعبير والتطبيع مع الكراهية.
الحزب الجمهوري يواجه معادلة صعبة: كيف يدين معاداة السامية بوضوح دون أن يتهم بالخضوع للنفوذ الإسرائيلي، وكيف يستوعب الجناح الشعبوي الصاعد دون أن يفقد توازنه الأخلاقي والسياسي.
هذه الأزمة تكشف أن الانقسام لم يعد بين اليمين واليسار، بل بين جناحين داخل اليمين نفسه، مما يهدد حركة “ماغا” التي يقودها ترمب.
اختبار السياسة الخارجية
هذه السجالات الفكرية تنعكس على السياسة الخارجية لإدارة ترمب، التي تحاول الموازنة بين القاعدة اليمينية الشعبوية والتيار المحافظ التقليدي.
بينما يواصل ترمب تأكيد التزامه بأمن إسرائيل، يلحظ مراقبون تراجعاً في حماسه للانخراط في صراعات الشرق الأوسط، مقابل التركيز على مواجهة الصين وإعادة ترتيب العلاقات مع روسيا.
البعض يرى أن هذا الانقسام قد يحد من قدرة ترمب على صياغة خطاب موحد تجاه إسرائيل، بينما يعتقد آخرون أنه يعكس تحولاً أعمق في المزاج الأميركي المحافظ.


